حذار الخنوع ... والفوضى ـ عدنان الساحلي

الجمعة 01 أيار , 2020 09:49 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

ليس غريباً أن يحمل هذا العنوان الشيء ونقيضه، فهذا هو حال البلد الذي ضاعت فيه الحقيقة بين أنياب الفاسدين، زعماء ومرجعيات وموظفين، الذين يقهرون ويقتلون المواطن ويسيرون في جنازته. ومن يستغرب مثل هذا العنوان، لن يتمكن بالتالي من فهم حصول الشيء ونقيضه، في المناطق التي شهدت صدامات دموية بين "متظاهرين" والجيش اللبناني، أوقعت عشرات الإصابات في صفوف كلا الطرفين. وكان واضحاً أن جهات مغرضة وقفت خلف أعمال التخريب والتعرض للجيش هناك، لكن ساعات قليلة مضت لتخرج بعدها حشود من سكان تلك المناطق، لتنفذ وقفة تضامن مع الجيش اللبناني. وهي وقفة الأخ مع أخيه والأب مع إبنه، فجنود الجيش هم مثل إخوانهم المقاومين، أبناؤنا وإخواننا وأقاربنا وأبناء وطننا، الساهرون على أمن الوطن والناس وسلامتهم. والتعرض لهم بينما هم يقومون بحفظ الأمن، يرقى إلى مستوى الخيانة.

وهذا الأمر هو صورة عن الواقع القائم، فاللبنانيون يكتوون بنار الغلاء وأسعار السلع والحاجيات، التي تضاعفت مرات عدة، نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي تجاه الليرة اللبنانية، بما يوازي 300 في المائة، مما وضع الناس أمام حتمية التحرك ورفع صوت الشكوى والإحتجاج على غياب الدولة، في حين أن التظاهر تعبيراً عن هذه المعاناة، لم يتركه الفاسدون بعيداً عن متناول أياديهم وأدواتهم المسخرة بحفنة من المال، أو بالتحريض الطائفي والمذهبي، فبات التظاهر اسير توجهين، الأول صادق ينقل إحتجاج الناس على الفساد والفاسدين، ممثلين بتحالف زعماء الطوائف وأصحاب المصارف. وكانت وجهة إحتجاجهم هي مصرف لبنان وفروع المصارف في مختلف المناطق. لكن هذا لا يعني أن أيادي الفاسدين كانت بعيدة عن هذا التحرك، إذ ومع رفضنا لكل أساليب العنف والتخريب، فإن الملاحظ أن مصرف آل الحريري وهم من أعمدة هيكل الفساد وبناؤوه مع من حالفهم وعمل معهم، لم يتعرض له أحد، فيما تعرضت عشرات فروع المصارف الأخرى، في مختلف المناطق للتكسير والحرق. فهل ذلك صدفة؟ وهل هي صدفة أن يقف بعض المشاغبين في طرابلس ليقولوا أنهم بكلمة واحدة من سعد الحريري يخرجون من الشارع. أو يهتف ملقوا الحجارة على الجيش في الناعمة ليقولوا بأعلى الصوت أن "ثورتهم" مستمرة حتى عودة سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة؟

أما التوجه الآخر الذي يشهده إحتجاج الشارع، فهو بكامله لصالح تحالف الفاسدين والمتزعمين. ويتمثل في المشاغبة ومحاولة قطع الطريق على خطط الإصلاح التي تقول حكومة حسان دياب أنها تنوي تنفيذها، لترميم الأوضاع المالية والإقتصادية المتردية. لأن نجاح هذه الحكومة، يكشف أن فشل من سبقها كان متعمداً لتخريب الإقتصاد، أولاً بدافع السرقة؛ وثانياً لإجبار اللبنانيين تحت ضغط الفقر والجوع، على الخضوع للمطالب الأميركية و"الإسرائيلية"، التي باتت معروفة ويرفضها معظم اللبنانيين. ومن جهة ثانية، خوفاً من أن تنفذ حكومة دياب وعودها بمحاسبة الذين سرقوا أموال الشعب وهربوا قسماً غير قليل منها إلى مصارف الخارج، مما تسبب بنقص السيولة في إقتصادنا "المدولر"، فوصلنا إلى الكارثة التي نعيش فصولها.

من هنا يتبين أن زعماء الفساد وأركانه، مازالوا ممسكين بحراك الشارع. وهم الطرف الأقوى بين شرائح المتظاهرين. وأن المحتجين بصدق عن معاناة وجوع، هم الطرف الأضعف. وهذا سبب إنفضاض الناس عن تظاهرات 17 تشرين الماضي، التي صادرها تحالف سعد الحريري وسمير جعجع ووليد جنبلاط. فيما تم منعها وحتى قمعها عندما حاولت التمدد إلى مناطق القوى الأخرى. وكأن المواطن اللبناني المقهور بات عليه أن يحتج على الغلاء والجوع وتدهور الإقتصاد، لكن وفق مسطرة تحدد له حدود تحركه واحتجاجاته وسقفها. مما يدفع هذا المواطن إلى المزيد من الوعي والحذر، حتى لا يكون أداة في صراع السياسيين والنافذين.

أمام هذا الواقع، يبدو حراك اللبنانيين محكوماً بضرورتين، حتى لا تضيع حقوقهم وتتبدد أموالهم ويخسرون ما تبقى من إقتصادهم ومستقبلهم، بين أيدي مستثمري آلامهم وتجار مصائبهم.

أولى الضرورات، أن ضمانة اللبنانيين في نجاح الإصلاح الذي يطالبون حكومة دياب به، هو ببقائهم رافعين الصوت في الشارع، لحماية الحكومة وقراراتها من هجمات الفاسدين وأتباعهم. ولإعطائها جرعة قوة وحتى للضغط عليها، حتى تنطلق بحماس في مسيرة الإصلاح ومحاربة الفساد وملاحقة الفاسدين والسعي الجدي لاستعادة المال المنهوب.

أما الضرورة الثانية، فهي في الإبتعاد عن الفوضى والعنف والتخريب، لأنها سلاح الفاسدين وزبانيتهم في حماية أنفسهم ومصالحهم ومنع أي محاسبة لهم أو إصلاح لما خربوه. وفارق كبير بين المواطنين الشرفاء الذين يحتجون ويضغطون بأسلوب حضاري وراق؛ ويسعون لإقامة دولة القانون التي تحمي حقوقهم ومصالحهم؛ وبين الغوغاء المأجورين الذين يعبرون في همجيتهم عن روح التسلط لدى أسيادهم وعن خوف هؤلاء من حكم القانون ومن وجود سلطة تبني وتحاسب وتعبر عن إرادة الشعب. 

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل