موريتانيا والعودة إلى فساد صفقات التراضي ـ فادي عيد وهيب

الخميس 23 نيسان , 2020 10:57 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

قامت أغلب القطاعات الحكومية الموريتانية في اوأخر مارس/ آذار الماضي بالتوقيع على العديد من الصفقات التى في حقيقتها لا تدور في أي إطار قانوني، أو بما نص عليه الدستور الموريتاني من قوانين واضحة لتنظيم عملية شراء وأستيراد إحتياجات كل قطاع فى الدولة، بعد توقيع قطاعات الدولة على ما يعرف بأسم "صفقات التراضي"، وهي صفقات تجاوزت قيمتها الإجمالية 7.6 مليار أوقية (عملة موريتانيا)، وجاء مجموع تلك الصفقات 21 صفقة، شملت قطاعات الداخلية، والصحة، والمياه والصرف الصحي، والتنمية الريفية، إلى جانب مندوبية "التآزر".

وقد تمت جميع الصفقات عبر ما يعرف بـ "آلية التراضي" أو التفاهم المباشر، والتي يمنعها القانون الموريتاني إلا في حالات قليلة جدا منصوص عليها في مدونة الصفقات العمومية، وتراوحت آجال تلك الصفقات على فترات متفاوتة، فهناك صفقات في سبعة أيام، وأخرى بعد ثمانية أشهر، وتصدرت وزارة الصحة نصيب الأسد من أجمالي تلك الصفقات، حيث أستحوذت وحدها على نصف الصفقات بمجموع أحدى عشرة صفقة، تلتها مندوبية التآزر بأربع صفقات،  ثم وزارة الداخلية بثلاث صفقات.

وقد شمل إجمالي صفقات وزارة الصحة المبرمة عن طريق التراضي وحدها من دون باقي القطاعات قرابة ملياري أوقية، جاءت جميعها تتعلق بتركيب وتشغيل أجهزة الأشعة والإنعاش، إلى جانب شراء سيارات إسعاف، كما أبرمت وزارة الصحة أربع صفقات أخرى بلغت قيمتها الإجمالية أكثر من 430 مليون أوقية، وكانت الصفقة الأعلى قيمة من بين الأربع صفقات بلغت 524.744.460 أوقية.

بينما كان قطاع التنمية الريفية هو الأكثر من حيث الكلفة المالية، إذ استحوذت صفقات ذلك القطاع وحده على أكثر من ثلثي المبلغ الإجمالي للصفقات، وذلك عبر صفقة شراء 50 ألف طن من القمح بـمبلغ 13.7  مليون دولار، أي ما يساوي خمسة مليارات أوقية.

وكانت وزارة الداخلية قد عقدت صفقتين منفصلتين ضمن قوائم صفقات التراضي بلغت أكثر من 120 مليون أوقية ليس لتسليح قطاع الشرطة ولكن لإقتناء مواد نظافة وتعقيم لصالح الوزارة.

ويرى العديد من أبناء الشعب الموريتاني أن تلك الصفقات لا علاقة لها بإحتياجات موريتانيا من مواد طبية ومستلزمات وقائية لمواجهة تفشي فيروس كورونا، في حال تطورت الأوضاع في البلاد نحوالأسوأ على غرار العديد من دول أوروبا.

وأن كانت المبالغ الضخمة المطروحة لشراء أحتياجات قد تكون غير أولوية لبعض القطاعات مما طرح علامة أستفهام في عقول الشعب الموريتاني، فإن علامات الأستفهام والتعجب أيضا مطروحة على طريقة منح الصفقات للشركات التى وقع عليها الأختيار، فجميعها تم عبر التراضي دون منح أي فرصة للمنافسين الآخرين لتقديم عروضهم.

فالصفقة الأولى بحسب جدول الصفقات المعروض منحت لشركة Etablissement SARA، فيما تم منح الثانية لشركة Societe TEMKINE، أما الصفقة الثالثة لوزارة الداخلية فقد تمثلت في اقتناء 100 سيارة من نوع "WAW" الصينية ثلاثة العجلات، وبلغت قيمة الصفقة 226 مليون أوقية، وتم منحها بالتراضي لشركة WAW Mauritanie International.

كما أستحوذ قطاع المياه والصرف الصحي على صفقتين تجاوز قيمتهما الإجمالية 222 مليون أوقية، أولاها كانت تتعلق بالمراجعة التقنية لسد "فم لكليته" بمبلغ إجمالي يتجاوز 90 مليون أوقية، والثاني جاء كائتمان ضريبي قيمته 1292715 أوقية، أما الصفقة الثانية فتتعلق بمراقبة أعمال إمداد آفطوط الشرقي بالمياه ، وإستغلال سد "فم لكليته" بمبلغ مالي يتجاوز 131 مليون أوقية إلى جانب ائتمان ضريبي قيمته 1830944 أوقية.

أن أحدث كيانات الدولة تحصل على نصيبها من كعكة "صفقات بالتراضي"، برغم أنها حديثة النشأة لكنها دخلت على خط الصفقات بالتراضي، حيث أبرمت مندوبية "التآزر" أربع صفقات، وكان لافتا جدا تداخلها مع مجال صفقات وزارة المياه والصرف الصحي، فقد أبرمت المندوبية صفقتي تراض مع شركة "ايجيب افريقا" لتشغيل مشروع الولوج لماء الشرب والصرف المتعلق بآفطوط الشرقي.

 واللافت أن الحضور الأميركي يتزايد في موريتانيا، إذ يظهر بشكل واضح عبر تلك الصفقات التى تمت في الخفاء ثم ظهرت إلى العلن بعد أيام من إبرامها، كما يبرز مدى تزايد الوجود الأميركي في البلد العربي الثقافة، المسلم دينا، الأطلسي جغرافياً، وأفريقي العرق، فالشركات الأميركية كانت هي الأوفر حظا في الحصول على الصفقات عبر التراضي، سواء من حيث عدد الصفقات، أو من حيث قيمتها المالية، حيث كانت شركة "سيب ووراد" الأميركية الأفضل من حيث العائد المالي بعد أن حصلت على صفقة بأكثر من خمسة مليارات أوقية، مقابل استيراد 50 ألف طن من القمح لصالح وزارة التنمية الريفية خلال شهرين فقط.

وإن كان مؤشر العلاقات الأقتصادية بين واشنطن ونواكشوط في أرتفاع، فكذلك العلاقات العسكرية بين البلدين، بعد أن نفذت القوات الأميركية تمرين "فلينتلوك2020" مع نظيرتها الموريتانية، للتدريب على مواجهة الجريمة العابرة للحدود والإرهاب في 18 فبراير/شباط الماضي في محافظة آدرار شمال موريتانيا، وشاركت فيه جيوش السنغال ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد.

وحقيقة الأمر هو تمرين يهدف في المقام الأول والأخير لتعزيز قدرات الجيش الأميركي في تلك المنطقة التى تعاني من تفشي فيروس الإرهاب، وكذلك تقوية نفوذ واشنطن السياسي في منطقة الساحل والصحراء عامة، وهي المنطقة التى ترى فيها فرنسا (المستعمر القديم) منطقة نفوذ لها وحدها منفردة.

خلاصة القول، أصيب المواطن الموريتاني على مدار الأيام الأخيرة بحيرة شديدة من كم الصفقات التى تم إبرامها بالتراضي، معيدة إلى الاذهان فساد الماضي، فمن المعلوم أن القانون الموريتاني يمنع إجراء الصفقات بالتراضي أو بالتفاهم المباشر، سوى في حالات استثنائية جدا حددها القانون رقم 44 الصادر في عام 2010م المتضمن مدونة الصفقات العمومية، كما توضح المادة 31 من هذا القانون تعريف "الصفقة بالتفاهم المباشر" بأنها التي لم يقع فيها أي شكل من المنافسة، مشترطة في حال اللجوء إليها الحصول على إذن خاص من "لجنة رقابة الصفقات العمومية" شرط أن يؤكد ذلك الإذن الخاص على توافر الشروط القانونية وذكر المسببات التي تبرر إتمام الصفقة بالتفاهم المباشر.

 وكان الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز قد أعلن في بداية توليه حكم البلاد بأنه سيقضي بشكل نهائي على صفقات التراضي، ولكن في الحقيقة كانت فترته هي ذروة فترات إبرام الصفقات بالتراضي، مما أجبر الرئيس الحالي محمد ولد الغزواني لأن يشن حرباً جديدة على لوبيات رجال الأعمال والجهات الأقتصادية التي تعمل بشكل سري، خصوصاً في ظل إستغلال هؤلاء لما سببه فيروس كورونا من أزمات في البلاد.

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل