سقوط أول حكومة عسكرية واستهداف مشبوه لعمر كرامي
أقلام الثبات
ما ان اطل العام 1974، حتى كان الشرق الاوسط "يدق على نبض ايقاع خطوات كيسنجر، خطوة للتقارب بين العرب واسرائيل، وخطوة لإشعال الفتنة بين العرب، وسار لبنان على الايقاع نفسه، اي اتصالات سياسية تتخللها اشتباكات عسكرية". صارت الساحة اللبنانية مفتوحة على كل الاحتمالات، وكانت اي شرارة كافية لإشعال اللهيب الكبير.
وفي نهاية العام 1974، لاحت بارقة أمل حينما دعي ياسر عرفات وللمرة الأولى لإلقاء خطاب أمام الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك في 13تشرين الثاني. كما قرر الرؤساء والملوك العرب في قمتهم التي عقدت في الرباط (المغرب) ان يمثلهم الرئيس سليمان فرنجية، ويلقي كلمة باسمهم حول القضية الفلسطينية. غير ان كريم بقرادوني يؤكد بقوله: "ان الرئيس فرنجية لم يستمع لاحقاً إلى النصيحة الأميركية في عدم التوجه إلى الامم المتحدة، ممثلاً الملوك والرؤساء العرب، ومدافعاً عن القضية الفلسطينية، بمناسبة القاء ياسر عرفات اول خطاب له على منصة الامم المتحدة... واهين الرئيس اللبناني عند وصوله إلى نيويورك، فأقدم رجال الأمن الأميركيون على تفتيش حقائبه وحقائب الوفد المرافق له بحجة انها تحتوي على كمية من المخدرات، وفي مناخ من القطيعة بين لبنان والولايات المتحدة الأميركية انتقلت شرارة الحرب عام1975 من الذهن الأميركي إلى الأرض اللبنانية".
إذاً، فقد صارت الساحة مهيأة للانفجار، في شهر كانون الثاني1975 شنت اسرائيل عدواناً واسعاً على الجنوب اشتركت فيه اسلحة البر والبحر والجو. وفي شهر شباط اطلق الرصاص على النائب السابق المناضل معروف سعد الذي كان يتقدم تظاهرة لصيادي الأسماك في صيدا، فتوفي بعد نحو اسبوع في المستشفى، وبلغت التعبئة اقصى مداها. وجاءت حادثة اطلاق النار على اتوبيس ينقل فلسطينيين في عين الرمانة في 13أيار.
وفي 23منه، شكل الرئيس فرنجية أول حكومة عسكرية في تاريخ لبنان، برئاسة العميد الأول المتقاعد نور الدين الرفاعي وعضوية قائد الجيش العماد اسكندر غانم، ورئيس الأركان العماد سعيد نصر الله ومساعد رئيس الاركان العميد الركن موسى كنعان، والعميد الركن فوزي الخطيب والعميد الركن فرنسوا جينادري والعميد الركن زين مكي، وكان المدني الوحيد فيها لوسيان دحداح، إلّا ان هذه الحكومة ما لبث رئيسها ان قدم، بعد ثلاثة أيام من تشكيلها استقالتها بعد المعارضة والتحفظ الواسعين اللذين لقيتهما، لتبقى الأزمة الدموية في سباق مع الرعب والموت الذي يحصد اللبنانيين والوقت ايضاً.
ويستمر مسلسل ضغط الشارع بعد الطائف ، فيستهدف الحكومة الأولى للرئيس عمر كرامي ، بعد تصاعدالأزمة الاقتصادية الاجتماعية التي عاني منها اللبنانيون نتيجة سياسات واضحة ومقصودة اتبعتها السلطة بعد انتهاء الحرب لتحويل البلد إلى «كازينو مغلق» يعمل فيه الجميع في خدمة المصارف، وما حدث في 6 أيار عام 1992 كان مثالاً وقحاً على ذلك، وربما محطة تأسيسية لكل ما جرى لاحقاً.
ويروي ألبير منصور وقائع هذا اليوم وما سبقه من إشارات كشفت في وقت متأخر المخطط الذي يُعَدّ للبلد. برأيه إنّ «المرحلة التي سبقت 6 أيار هي المرحلة الأساسية التي جرت فيها عملية التحضير للانهيار الاقتصادي".
مع نهاية عام 1991 أُقرَّت زيادة الرواتب في القطاع العام بمقدار ضعفين ونصف، ما أدّى إلى ضخ كمية كبيرة من النقد في السوق. كان من المتوقع أن يتعامل مصرف لبنان مع هذه الكميات عبر ترك السوق تستوعب جزءاً من هذه الزيادة من خلال ترك سعر صرف الليرة ينخفض تدريجاً، لكنّ مصرف لبنان أخذ منحىً آخر فاقم الأمور عن قصد. يقول منصور: «فاجأنا مصرف لبنان بقرار مجهول المصدر، لكنه كان واضحاً أنه متواطئ مع مجموعة رفيق الحريري والياس الهراوي بهدف إفراغ المصرف المركزي من احتياطه النقدي وتشليحه سلاحه في مواجهة تدهور سعر الليرة، فأخذ ينفق من الاحتياط مبالغ ضخمة من دون أي مبرر». في منتصف شباط بلغ مجموع إنفاق المصرف المركزي نحو 500 مليون دولار، خافضاً بذلك احتياطه من مليار دولار إلى النصف.
في هذه المرحلة علم كرامي، وفق منصور، أنّ الحملة هدفها إطاحة الحكومة، فقرر عدم المواجهة وأبلغ رئيس الجمهورية والمخابرات السورية أنه سيستقيل. يشير منصور إلى أنّه على الرغم من تحقيق هدفهم بدفع كرامي إلى الاستقالة (لم يكن قد أعلنها بعد)، إلا أن ميليشيا المال، الممثلة برفيق الحريري، وميليشيا الأحزاب، إضافة إلى المخابرات السورية، أصرّوا على الاستمرار في تنفيذ مخطط «الانهيار»، كي تتحول الاستقالة إلى «إطاحة» كرامي في الشارع بضغط شعبي بهدف إقصائه سياسياً، كي لا يبقى أي منافس للحريري.
و في 6 ايار/مايو 1992، اضطرت حكومة عمر كرامي الى الاستقالة بعد تظاهرات في الشارع احتجاجا على تردي الوضع الاقتصادي.
عرفت تلك الحركة ب”ثورة الدواليب” بعد ان ترافقت مع احراق اطارات في معظم المناطق اللبنانية تصاعد منها دخان اسود غطى كل سماء لبنان تقريبا.
(يتبع)