حال الأمة في الاستضاءة بسراج صاحب الإسراء والمعراج ـ الداعية الحبيب عمر بن حفيظ 

الخميس 19 آذار , 2020 04:13 توقيت بيروت مقالات فكريّة

الثبات - مقالات

 

حال الأمة في الاستضاءة

بسراج صاحب الإسراء والمعراج

الداعية الحبيب عمر بن حفيظ 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحق تبارك وتعالى، خالقنا، وخالق الأرض، والسماوات، ومافيها ومن فيها، وخالق كل شيء، رتَّب وقدَّر أن تكونوا في هذه الأمة، وأن تعيشوا في هذا الزمن المحددِ على ظهر الأرض، لتنقضي الآجال، يُثبت ما يصدُر من المكلفين من الأقوال والأفعال، والنيات والأحوال، ليكون بعد ذلكم اللقاءُ بالكبير المتعال، والخروج إلى البرازخ، ثم إلى ساحة المحكمةِ الكبرى، حيث الحكم على كل مُكلَّف مِن حاكمٍ {لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ}، ولا رادَّ لأمره، جل جلاله، ولا ترى في تلك المحكمة إلا حكماً بسعادة لا شقاء بعدها، أو بشقاوة لا سعادة بعدها؛ وإذا بالأصناف، المتكاثرة، وأهل الأعمال المتنوعة المتناثرة، وأهل الوجهات الباطنة والظاهرة تحولوا إلى فريقين اثنين، وسكَّان دارين اثنين، لا ثالث لهما، {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ}، {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}، ويستقر كلٌّ مكانَه، ثم يكون من الأخبار العظيمة الكبرى أن يؤتى بقضيةِ الموت، وحقيقة الموت، الذي يجري لهؤلاء وهؤلاء، وجرى عليهم في انتقالهم مِن أطوارٍ قد مضت، تُعرض هذه الحقيقة مُصوَّرةً مُشاهدةً للأعين، بصورة كبشٍ، يعرف أهل الجنة، وأهل النار، أن هذا مجلى ومظهر لحقيقة الموت، ويُنادى يحيى، يا يحيى، يا ابن زكريا، قُم وخذ المُديَة واذبح الموت، وينادي المنادي، "يا أهل الجنة خلوداً فلا موت، ويا أهل النار خلوداً فلا موت"، هذه قضية من أكبر القضايا المُقبلة على الخلائق، يزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم إلى الأبد، ويزداد أهل النار حزناً إلى حزنِهم إلى الأبد، وكثير من صلحاء الأمة وأخيارها كانت بينهم وبين رب السماوات والأرض بكيات، وطرق لبابه، بخشية، وإنابة، وتذلُّل، وافتقار، خوفاً من أن تأتي تلك الساعة وأحدهم لم يزل في النار فلا يخرج منها أبدا، فإن الخروج قبل ذبحِ الموت يكون للعُصاة الذين ماتوا وفي قلوبهم أثرٌ من الإيمان، ولو مثقال ذرة، أدنى أدنى مثقال ذرة، فيُخرجون منها حتى يخرج آخرهم، ثم تأتي هذه القضية، فييأس أهلُ النار من الخروج، ويأمن أهل الجنة من الخروج، من جنة الله تبارك وتعالى: {لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا}، أي تحوُّلاً إلى مكان آخر، ولا إلى شأن آخر.

 من يتحدث عن هذه القضايا الكُبرى؟

إن الذين ألهتهُم شؤونُ السياسات، وشؤون الاقتصاد، وشؤون الأحزاب، أهل اللعب، ما درَوا بأنفسهم، ولا دروا بالحقائق، والمنادي يناديهم أخرُجوا من اللعب إلى الجدّ، {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ*وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ}، من دام منهم مغتراً بهذه المظاهر القاصرة فويلٌ ثم ويلٌ له، وستأتي ساعة النداء هذه ويعلم أين سيكون.

أيها المؤمنون بالله جل جلاله، مُهمة تقويم الاعوجاج البشري على ظهر الأرض، مهمةُ النبيين، ختمهم محمد، وخلفتموه، خلفتُم النبي الخاتَم، فعظِّموا المنهاج، الذي بعثه اللهُ به إليكم، لا تقدموا عليه سواه، لا ينطفي نورُ سراج منهاجِه وسط دياركم، ولا بين أبنائكم وبناتكم، حتى تتعشَّقوا، أو يتعشَّقوا بشيءٍ من الإغواء وبشيءٍ من الدوافع المختلفة سِيَر المخالفة لسيرته، المناهج المخالفة لمنهاجه، المسالك المضادَّة لمسلكه، في منطق أو في زيٍّ، او في لباسٍ، أو في معاملة مالية أو اجتماعية، في ما يتعلق بمختلف شئون الحياة، فإن خالقَ الحياة، بعث ابنَ عبد الله، وأرسل ابن عبدالله، وائتمنَ ابن عبدالله، وكلَّف ابن عبدالله، وشرَّفه وشرّفنا به، فيا رب ثبتنا على دربه، ويا رب اسقِنا من شربه، ويا رب اجعلنا جميعاً في حزبه، وما حزبه إلا حزب مولاه، تعالى في علاه، {أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، ألحِقنا اللهم بهم يا رب العالمين، ويا أكرم الأكرمين.

إن الاستخفافَ بمنهاج هذا المصطفى، الذي دبَّ وقام عليه أثرُ الدّاء، وهو داءُ الأمم، داء الأمم، الحسد والبغضاء، داء الأمم قبلَنا، مُهلك الأمم قبلنا، علّة الأمم قبلنا، وهي علّة الأمة أيضاً، وهي مصيبة الأمة أيضاً، ولا يفرح الشيطان بمثل تنافُرهم، وتدابُرهم وتناحُرهم، فإن يطمع في شيء ففي التحريش بينهم، "دبَّ إليكم داء الامم قبلكم، الحسد والبغضاء، هي الحالقة، حالقة الدين لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين".

 ما رأيتم أماكن الحلاقة؟ في واقع مسارات الأمة اليوم حُلِق وحُلِق من هنا ومن هناك، وسُخّرت طوائف وأعداد، لمعاداة ولحلقه بعد أن حُلق فيهم أيضاً باسمه هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكنها تحلق الدين، والمأمون ما يمثِّل عبث، ولا ينطق عن هوى، ولا يتكلم إلا بنُصح، ولا يقول إلا حق، صدق وهو الذي أشار إلى لسانه وقال: "اكتب، والذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق"، قال تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}، أنت لا تعرف إلا صوالين حلاقة الشعر، كيف تحول رأساً ووجهاً بعد الحلْق، خلافَ ما كان قبل الحلْق، ومنه حلقٌ مستأصل ومنه حلق جزئي في جوانب.

 كذلك يُعمل بالدين، كذلك يُعمل بالدين، وهذه آلات الحلاقة فيه، الحسد والبغضاء، دبَّت لما استصغر أفراد الامة المنهاجَ العظيم، منهاج النبي الكريم، لمّا أهملوه، لمّا استخفوا به، لمّا هانَ عليهم، فلا يهون إلا في نظرِ من أراد الله أن يهينه، وهو معنى نظرة تحليلية وكلمة تطبيقية للواقع، يقول: "فإذا فعلتم ذلك سلَّط الله عليكم ذُلّاً لا ينزعه منكم حتى تعودوا إلى دينكم" تعودوا إلى تعظيم منهج النبي، إلى إكبار منهج النبي.

فيا أتباع صاحب الإسراء والمعراج، قوَّم الله لكم كل اعوجاج، ثبَّتكم على أقوم منهاج، وروَّح أرواحكم بنسيم الاقتداء بهذا النور، اللهم نوِّر به قلوبَنا، نوَّر به قبورنا، نوِّر به عقولَنا، {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء}، {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّور}، عظِّموا منهاج الله، كسِّروا آلاتِ حلقِ الدين مِن الحسد والبغضاء، {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}، واشكروا المُنعم الذي مدَّ لكم هذه الحبال، وأوصل إليكم هذه الخيرات الجِزَال، مجامع مربوطة بمولى بلال، بباهي الجمال، بأوثق الحبال، ذاكم فضلُ الكبير المتعال، عقد لواءها مِن قبل، وظهرت آثارها فينا، يحيي الله بها قلوبا، ويغفر فيها ذنوبا، ويكشفُ بها كروبا، ويقرِّب بها بعيدا، ويردُّ كم من شقي بها فيُحوِّله سعيداً، {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ}، جل جلاله وتعالى في علاه.

فاستشعِروا حكمةَ الحكيم في كلِّ ما يدور، في هذا الوجود في البطون والظهور، فما منه شيء خارجٌ عن قدرته، ولا عن إرادته، ولا عن حُكمه، ولا عن حِكمته سبحانه وتعالى، {للَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ} والمظاهر تظهر بصور، وبحجابات أسبابٍ تلوحُ للأبصار، لكن عند البصائر المسبِّب فوقها، {الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ} أصلاً لا شي يتغير في حكمة الحكيم وعظمة العظيم هو هو، وفي قبضته كلُّ شيء، قبل ما غُلِبوا وبعد أن غُلبوا وبعدما ترجع الغلبة لهم ويغلبون، كله منسوج بحكمة واحد، واحد، واحد، واحد، هو الواحد، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}.

اصدقوا التوجهَ إليه تعالى في علاه، وادعوه لكم وأهليكم، وأسرِكم ومن في دياركم وأهل بلدانكم، وللأمة في المشارق والمغارب، وعسى يثبت الأقدام، ويتولانا في الدنيا والبرزخ ويوم القيام، يربطنا بخير الأنام، لا يخرج أحدٌ منا عن دائرته، ولا يتخلّف عن فريقه، إنَّه أكرم الاكرمين.

فنادوا أكرمَ الاكرمين واسألوا أرحم الراحمين، وادعوا ربَّ العالمين، {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ} لا إله إلا الله، تعالى: {تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}، جل جلاله.

 

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل