الثبات - مقالات
معجزة الإسراء والمعراج
ودلالتها على مكانة النبي عليه الصلاة والسلام
الشيخ محمد الفحام
اللهم صلِّ وسلم وبارك على مَن أعْزَزْتَهُ وأثنيت عليه في آياتك البينات، وأمرتنا بذكره وتعظيمه مفتاحاً لذلك في أسرار التحيات.
وبعد؛ فإن الحديث من معجزة الإسراء والمعراج حديث عن جانب من جوانب الخصوصيات النبوية، والمسلمات العقائدية، التي ميَّز الله تعالى بها حبيبه الأعظم صلى الله عليه وسلم عن غيره من الخلق. ذلك أن لله خواصَّ حتى في الأشخاص، فَلَرَسولُ الله صلى الله عليه وسلم خيرُ خلقِ الله وأكرمُهم على الله، وأعزهم عند الله، فهو الذي قال في حقه ربه وبارئه: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}.
وهو الذي أقسم بحياته فقال جل ذكره: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ}.
وهو الذي أمر بتوقيره وتعظيمه فقال: {فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
إنَّ السيد الأعظم صلوات الله وسلامه عليه كان من أجلى المظاهر على التحقيق بالفاقة والافتقار إلى الله تعالى، فكان أن أغناه الله وأكرمه، ثم حباه بضيافةٍ علوية كريمة، ليسمو به كعبدٍ أخلص في عبوديته حتى جعل منها معراجاً رقَّاه إلى العلياء، يصور حقيقة هذا المقام بروعة التصوير القرآني وبتعبير لغوي رقيق قولُه تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}.
سبحان... أسرى... بعبده، كلمات ثلاث كلُّ واحدة منها تشير إلى جلال المعجزة وقدسيتها وقدر صاحبها، وجلال مُقدِّرها.
سبحان: إشارة إلى تعظيم الله وتقديسه في سياق مكرمة لنبيه ومصطفاه وحبيبه ومجتباه الذي إن قهره العدو وجفاه فإن خالقه قربه وأدناه، وأخزى عدوه ورده إلى ظلمة هواه، وأعلم أهل الأرض والملأ في علاه أنه هو ربه ومولاه.
أسرى: إشارة إلى أن الله العظيم جل ذكره رفع عبده محمداً صلى الله عليه وسلم بالحسِّ والمعنى في وقت الظلام لنعلم أن القصة إنما هي قصة بدر البدور، ونجمٍ لا كالنجوم نجمٍ يَهتدي الضال برؤيته ويسعد المؤمن بصحبته.
بعبده: أن العبودية الخالصة التي تبوِّء صاحبها سُدَّة الشرف والسمو إنما تكون بخالص التوحيد الذي سما بأعلى درجاته عليه الصلاة والسلام يوم عرض الحال على الله تعالى في ذروة أحوال البلاء والإيذاء فكان في ذلك أعظم شأناً وأشد قرباً وأعلى مقاماً.
فيا أيها العقلاء: آمنو وأيقنوا بأن نبيكم صلى الله عليه وسلم هو صاحب تكريم رباني، وسلِّموا في ذلك، فإن المعلِن عنه إنما هو ربكم القادر على كل شيء فإننا كمؤمنين موقنون في أن الأمور العقائدية مآل التصديق بها إنما هو الخبر اليقين من الأدلة المتواترة في كتاب الله وسنة حبيبه الأعظم صلى الله عليه وسلم ثم اعلموا أن قصة الإسراء والمعراج إنما هي قصة معجزة النبي في جملة خوارق العادات التي أيَّده الله تعالى بها، وهي فصل هام من فصول العقيدة الإسلامية في القسم المتعلق بالنبوات، فمن أراد إلغاء هذا الفصل فقد أراد إلغاء القسم بأكمله، ومن فعل ذلك فقد أراد سَلْخَ معنى النبوة من شخص النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام ولا يعني هذا إلا شيئاً واحداً ألا وهو خدمةُ أعداء الإسلام من المستشرقين وأذنابهم الذي لا يألون جُهداً في إبعاد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عن دائرة النبوة، وهل يعني هذا كله إلا إلغاءً للإسلام بِرُمَّتِهِ، فمَن بربك يمثل حقيقة هذا الدين سواه صلى الله عليه وسلم، ومَن غيره يليق به أن يكون مجلىً لِحَقائق الإسلام، ومظهراً لجوهره، ومن غيره يبقى في دائرة العناية الإلهية؟؟
ألا هل من سامع؟! ألا هل من مجيب؟! ألا هل من عاقل مُتَفَهِّم؟!
مِن أولئك الذين نصَّبوا عقولهم أرباباً من دون الله فجعلوا منها موازين _بزعمهم دقيقة! والعجب العجاب أنهم يَزِنُونَ كلَّ هدي وتعليم نبوي وكلَّ أساسٍ من أسس العقيدة الإسلامية بميزان فكرهم الشخصي ليقبل ما يشاء ويطرح ما يشاء. إني لأقول لهؤلاء ومن نحا نحوهم ولفَّ لفَّهم، إن كنتم لا توقنون أن تلك المعجزات حاصلة عقلاً فإن مشكلتكم ليست عندها، وإنما في جانب آخر هو من أخطر الجوانب إنه جانب الإيمان بالله القادر على كل شيء والذي لا يعجزه شيء إذن فالمشكلة إيمانية، فتعالوا نجلس على مائدة الحوار لإقناعكم بأن الله عز وجل قادر غير عاجز، وذلك بأنه موصوف بكل أوصاف الكمالات ومنزه عن ضدها، وأنه هو الخالق البارئ والمصور، والمدبر والمقدر، وأنه هو الذي أوجد تلك النظم للكون من عرشه إلى فرشه، ومن سمائه إلى أرضه وأنه الذي يقهر الأشياء بفرض نظامه عليها لا تقهره الأشياء بل {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ}.
فهل من العقل أن تُقلَبَ المفاهيم وهل من صفاء العقيدة اعتقاد العجز الإلهي عن خرق تلك النظم وهو خالقها.
وإنا لنسألك يارحيم يارحمن، يا ودود يا جواد، أن نلقاك على عقيدة نبيك وأصحابه الكرام لنكون من سعداء الدارين ياحنان يا منان فإنك خير مأمول وأكرم مسئول.
وصلى الله على سيدنا محمد صلاةً تفتح مغاليق القلوب وتردنا بنورها إلى علَّام الغيوب.