أقلام الثبات
ضربة "من العيار الثقيل" سدّدتها دمشق وموسكو في شباك أنقرة مؤاخراً عبر قصف رتل تركيّ في جبل الزاوية بإدلب حصد عشرات القتلى والجرحى في صفوف العسكريّين الأتراك، قدّرت حصيلته آخر الإحصائيات 79 قتيلا، وهو عدد مرشّح للإرتفاع نظرا للحالات الحرجة لعدد كبير من الجرحى.. الضّرّبة التي دفعت الرئيس التركي سريعا الى ترؤس اجتماع أمنيّ طارئ وإيقاف خدمة الإنترنت في البلاد والإتصال بقادة واشنطن وحلف النّاتو للإستجداء مجددا بمؤازرته عسكريا ضدّ روسيا، فتحت الأبواب على مصراعَيها امام احتمال نشوب مواجهة عسكرية مباشرة بين أنقرة وموسكو على الأرض السورية، على وقع توجّه فرقاطتَين روسيّتَين مزوّدتَين بصواريخ كاليبر صوب الساحل السوري على جناح السرعة، وسط معطيات عسكرية ألمحت الى رزمة مفاجآت أخرى جهّزتها دمشق حيال المستجدات الأخيرة بإشراف مباشر من الرئيس السوري، وتعميمه قرارا حاسما ببدء العدّ التنازلي لدحر القوات التركية عن الأراضي السورية، اُلحق بقرار روسي يقضي بملاحقة وإسقاط ايّ مقاتلة تركية من طراز أف16 ، فيما لو اتجهت أنقرة صوب "تصعيد خطير" مع الرّوس إنتقاما ل"مقتلة" الرتل التركي، خرقتها تقارير روسيّة لفتت الى توجّه موسكو نحو فرض حظر جوّي شامل في الأجواء السوريّة.
وفي حين استبقت موسكو عمليّة قصف الرّتل التركي، باتّهام العسكريين الأتراك استهداف طائراتها الحربيّة بالصواريخ المحمولة على الكتف، ما جعل السماء فوق ادلب "خطيرة"،- بحسب ما ذكر التلفزيون الرّسمي الروسي، وبإعلان الكرملين " ان لا لقاء مع اردوغان"، عقب التهديدات التي أطلقها الرئيس التركي الأربعاء الفائت، معلنا "عدم التراجع الى الوراء في ادلب"، ومتوعّدا بتحرير نقاط المراقبة التركية بحلول نهاية هذا الشهر، آثر الجيش السوري الرّد على التهديدات التركية بمحاصرة نقطة مراقبة تركيّة عاشرة في منطقة شير مغار بريف حماه، وباستكمال عمليّاته العسكرية بلا هوادة، محرّرا عشرات البلدات الإضافية في فترة زمنيّة قياسيّة بعد التقاء القوات السوريّة المتقدّمة من ريفّي ادلب وحماه الخميس.. والأهم، إسقاط "فخر"الصناعة العسكرية التركيّة، الطائرة المسيّرة ANKA S، التي تسمّيها تركيا "العنقاء" ذات الميزات التقنيّة الهائلة، والتي "اصطادها" الجيش السوري يوم الثلاثاء الماضي فوق قرية داديخ بريف ادلب، "لتمثّل بهذا "الصّيد" الجويّ باكورة ضربات مماثلة قد تطال نخبة الطائرات التركية في المرحلة المقبلة"- بحسب ما أكد خبراء عسكريّون روس.
وفق الخبراء، فإنّ المرحلة الميدانية المقبلة ستكون "حسّاسة جدا" بالنسبة لروسيا ونفوذها في سورية، فيما لو جنح التوتّر الشديد مع تركيا الى مواجهة عسكريّة مباشرة بين الجانبّين، سيّما انّ المؤشّرات التي تلقّفتها موسكو، تدلّ على إيعاز أميركي لأنقرة باستهداف مقاتلات روسيّة في أجواء مسرح العمليّات، وبالتصويب المسلّح المكثّف على قاعدة حميميم بعدما تمّ تزويد الميلشيات المسلّحة بطائرات مسيّرة هجوميّة وصواريخ مضادة للطائرات..
الرئيس التركي الذي هدّد يوم 13 من الجاري ب"إسقاط الطائرات التي تشكّل تهديدا مباشرا لقوّاته في المنطقة"، ذهب الى التوعّد باللجوء الى "حلّ بديل" لطيران مقاتلاته المستعصي في أجواء مسرح العمليّات دون الإفصاح عن ماهيّة هذا الحلّ.. لكن وكالة بلومبرغ رجّحت ان تكون نيّة أنقرة البديلة،هي لجوء المقاتلات التركية من طراز أف16 الى استهداف القوات السوريّة من داخل الحدود التركيّة، وعليه جاء الطلب التركي من واشنطن تزويدها بمنظومة باتريوت لنشرها على الحدود التركية، بهدف ردع الضربات السورية والروسيّة المحتملة، ردا على القصف الجوي التركي المزمع.
بحسب مصدر مقرّب من الكرملين، فإنّ موسكو كانت أوصلت قبل قصف الرّتل التركي عبر مفاوضيها مع نظرائهم الأتراك، تبليغا واضحا لأنقرة مفاده" انّ مئات الجنود الأتراك في نقاط المراقبة المطوّقة في عمق مناطق سيطرة القوات السوريّة، سيكونون هدفا مباشرا لنيران القوات السوريّة والرّوسية، والأمر نفسه ينسحب على ايّ رتل عسكري تركي، ردا على ايّ استهداف للطائرات السوريّة والروسية في اجواء مسرح العمليات.. كما تضمّن التبليغ الروسي، تحذيرا من ايّ تجاوز تركي للخطوط الحمراء، خصوصا لجوء المقاتلات التركية الى توجيه ضربات من داخل الحدود التركية صوب اهداف عسكرية سورية او روسية، لأنّ الرّد سيكون خارج الحسابات التركية!
لعلّ تعليق الباحث السياسي الروسي غيفورغ ميرزايان في صحيفة "فيزغلياد" كان أكثر وضوحا بتهديده" اذا أسقطت تركيا طائرة روسيّة فوق الأراضي السوريّة، فإنّ احداث العام 2015 ستبدو أشبه بجلدة خفيفة هذه المرّة، والرّد سيشمل ضربات منظّمة على جميع الجبهات"، متوجّها الى الرئيس التركي بقوله" على اردوغان التنبّه انّ لديه مئات الجنود في نقاط المراقبة التركية المحاصرة، وهؤلاء سيصبحون رهائن، ولن يحتفي بهم السّوريّون."
تقارير روسيّة كانت تحدّثت عن "خطّة دفاعيّة" أقرّتها موسكو في سورية ربطا بتطوّر المواجهة العسكرية الدائرة في ادلب، ورجّحت احتمال فرض حظر للطيران في الأجواء السوريّة على خلفيّة تلقّف اشارات معادية إضافية مصدرها تل ابيب، تتضمن هجمات اسرائيليّة قد تكون واسعة النطاق هذه المرّة، ضدّ اهداف عسكرية سورية، ولربما تشمل ايضا أهدافا للمقاومة اللبنانية قرب الحدود السوريّة.. مع الإشارة الى انّ المرصد الإستراتيجي كان لفت الى انه نقل عن تقرير أمني روسي، ترجيح لجوء موسكو الى فرض حظر للطيران يشمل المناطق السّاحليّة والوسطى، من خلال شبكة دفاع جوّي، كما تعزيز الدفاعات الجويّة الروسيّة بثلاثين بطاريّة "بانستير" وأس 400.
توعّد مسعود حقّي، مستشار الرئيس التركي اليوم، روسيا ب" انتقام رهيب" ردّا على "مقتلة" الرتل التركي، ملوّحا بقرب صدام قاس معها في سورية تستعدّ له بلاده.. هذا قبل ان يُعلن المتحدّث باسم الرئاسة التركيّة لاحقاً، "انّ اردوغان أبلغ بوتين انّ كلَ عناصر الحكومة السوريّة أصبحت اهدافا وسيتمّ ضربها"!
مصدر صحافي روسي مواكب تكفّل بإكمال ما توقّف عنده كالين، كاشفا انّ الرئيس بوتين نصح اردوغان بسرعة سحب قواته من سورية، لأنّ الرئيس السوري عمّم امرا حاسما على قادة جيشه، بإعلاء وتيرة الضربات ضدّ القوات التركيّة، ويعتبر دحر هذه القوات من سورية، كما الإنتصار في هذه المعركة اولى اولويّاته.. لعلّ مشهد المرحلة المقبلة من "المنازلة" في ادلب كان اكثر وضوحا نقلا عن كبير المراسلين الدّوليّين لشؤون الشرق الأوسط واوروبا الايجا ج. مغناير، الذي كشف عن ايعاز روسي"دون قيود" للمرّة الأولى، للدفاعات الجوية السورية باستخدام منظومة أس300 الصاروخيّة ضدّ الأهداف الجويّة المعادية.
وإذ اشار- استنادا الى ما أسماها معلومات موثوقة، الى انّ الرئيس السوري يشرف شخصيّا على عمليّات جيشه الدائرة في ادلب، ألمح الى قرار "من العيار الثقيل" عمّمه الأسد على قواته بعد التهديدات التركيّة لدمشق، متوقعا شمول القرار اهدافا جويّة ايضا، من دون استبعاده "حدثا عسكريا غير مسبوق داخل تركيا يلي مستجدات ميدانيّة مفاجئة في ادلب، يضع اردوغان في دائرة الخطر الشديد!