خلاصة تفصيل مداخل الشيطان عند الإمام الغزالي ... الشيخ المربي محمد الفحام الدمشقي

الخميس 27 شباط , 2020 01:39 توقيت بيروت مقالات فكريّة

الثبات - مقالات فكرية

 

خلاصة تفصيل مداخل الشيطان عند الإمام الغزالي

الشيخ المربي محمد الفحام الدمشقي

 

الأول: الغضبُ والشهوةُ

فالغضبُ يَسْتُرُ العقلَ ويُضْعِفُه وهو بريدُ الشهوة، وإذا ضعف العقل قَوِيَ جُنْدُ الشيطان، ومهما غضب الإنسان لَعِبَ به الشيطان.

الثاني: الحسد والحرص

هما توأمانِ لا يَنْفَكَّانِ لكنِ الأولُ سبيلٌ للثاني ذلك أنَّ الحِرْصَ نوعٌ من أنواعِ العمى والصَّمم على نحو قوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجَه أبوداود مِنْ حديث أبي الدرداء: "حُبُّكَ الشيءَ يُعْمِي ويُصِم".

فإذا غطاه الحَسدُ الذي هو تمنِّي زوالِ النعمة عن الْمُنْعَمِ عليه، والحرص على الشيء لم يُبْصِرْ، فحينئذ يَسْهُلُ على الشيطان تحسينُ الهوى والشهوات.

هذا: ومعلومٌ أنَّ الحسدَ طَردَ الشيطان، والحِرْصَ أخرجَ آدمَ من الجنة.

الثالث: الشِّبع

فإنَّ الشِّبَعَ يُقَوِّي سِلاحَ الشيطان الذي به يَغْلِبُ ابنَ آدم على ما كُلِّفَ به مِنَ الطاعات والأعمال الصالحات 

الرابع: حبُّ التزيُّن من الأثاث والثياب

والدار لما فيه من سبيلٍ إلى نِسْيان المآل الذي ينبغي التفكُّر به دائماً، لذلك يُشَوِّشُ الشيطانُ عليه بالتخويف من زوال النعمة فَيَدْفَعُه إلى الاستزادة لِيَقَعَ في شَرَكِها فَيَتَّبِع الهوى الْمُهْلِكَ, وبذا تسوءُ العاقبةُ ويسوء الختام نعوذ بالله تعالى.

الخامس: الطمع في الناس

فإنَّه إذا غَلَبَ على القلب حَبَّبَ الشيطانُ إليه التَّصَنُّعَ والتَّزَيُّنَ لِمَنْ طَمِعَ فيه بأنواعِ الرياء، فيتودَّدُ ويَتَحَبَّبُ بالثناء عليه بما ليس فيه وكذا الْمُداهنة الدافعان إلى ترك الأمْرِ بالمعروف والنهيِ عن الْمُنكر. 

السادس: العجلة وترك التثبت

في الأمور قال تعالى: {خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ}، وقال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الترمذي من حديث سهل بن سعد بسند حسن: "العجلةُ من الشيطان والتأَنِّي من الله تعالى".

السابع: كثرةُ الأموال مِن الدراهم والدنانير

وكلِّ ما هو متقوَّم مما يزيد على قدر الحاجة لأنَّ الزيادةَ تشغلُ القلبَ بدوافعِ التوسُّع في الدار وكلِّ سُبُلِ الترفُّه.

الثامن: البُخلُ وخوفُ الفقر

فإنَّ ذلك يَمْنَعُ مِن الإِنْفَاقِ والتصدُّق ويدعو إلى الادِّخار والكنز الموصل إلى العذاب الأليم الموعودِ به للمُكاثرين كما نَطق به القرآنُ العزيز: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}.

قال سفيان: ليس للشيطانِ سلاحٌ مثلَ خوفِ الفقر، فإذا قَبِلَ ذلك منه _أي الموسوس له_ أَخَذَ في الباطل ومَنَعَ الحقَّ، وتكلَّم بالهوى وظنَّ بربِّه ظنَّ السُّوء.

التاسع: التعصُّبُ للمذاهب والأهواء والحقدُ على الخصوم وازدراؤُهم

 فإنَّ الطَّعْنَ بالعبادِ بِذكْرِ نَقْصِهم صفةٌ مَجْبولةٌ في الطبع من الصفات السبُعية، فإذا خَيَّل إليه الشيطانُ أنَّ ما هو عليه هو الحقُّ غلبَتْهُ حلاوتُه فشغلتْهُ به، فيفرحُ بظنِّ أنَّه يَسْعَى في الدِّينِ وهو ساعٍ في اتباعِ الشياطين، فترى الواحدَ منهم يَتَعَصَّبُ لإمامِه النَّزِيه مِنَ التَّعَصُّبِ فَضْلاً عن المخالفات الشرعية والمعروفِ بالمكارم والمعارف.

العاشر: حملُ العوام على ما يُشَكِّكُهم في أُصولِ الدين كأَمْرِ التفكُّرِ في ذاتِ اللهِ تعالى وصفاتِه

وكلِّ أَمْرٍ لا يَبْلُغُه حَدُّ عقولِهم، وذلك حَذَراً مِنْ وقوعِهم في خيالاتٍ تعالى الله عنها قد تُوصِلُهم إلى الكفرِ أو الابتداعِ وهُمْ به راضونَ مَسْرورون بما بَلَغُوه يَظُنُّون ذلك هو المعرفةَ والبصيرةَ، وأنَّه انْكَشَفَ له ذلك بذكائه وزيادةِ عقلِه، فَأَشَدُّ الناسِ حماقةً أقواهم اعتقاداً في عقلِ نفسِه، وأَثْبَتُ الناسِ عقلاً أشدُّهم اتِّهاماً لنَفْسِه وأَكْثَرُهم سؤالاً مِنَ العلماء. 

الحادي عشر: سوء الظن بالمسلمين

 قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}، فمَنْ حَكَمَ على غيرِه بالظَنِّ بَعَثَهُ الشيطانُ بطولِ اللسانِ بالغيبةِ ثم التقصيرِ في القيامِ بحقوقِه واحتقارِه بأنْ يرى نفسَه خيراً منه وذلك مِنَ الْمُهلِكات.

وعليه: فيجبُ الاحترازُ مِنْ ظنِّ السُّوء وعن تُهمةِ الأشرار، فإنَّ الأشرارَ لا يظنُّون بالناس إلا الشرَّ، وإنَّ الأبرارَ لا يظنُّون بالناسِ إلا الخيرَ، فالمؤمِنُ بِسلامَةِ صدرِه يَطْلُبُ المعاذيرَ، والمنافقُ بخُبْثِ طويَّتِه يَطْلُبُ العيوب.

ختاماً:

يقول الإمامُ الغزاليُّ عليه الرحمة والرضوان: فهذه بعضُ مداخلِ الشيطان إلى القلب ولو أَرَدْتُ استِقْصَاءَ جميعِها لم أَقْدِرْ عليه، وفي هذا ما يُنَبِّهُ على غيره، فليس في الآدمي صفةٌ مَذْمُومَةٌ إلا وهي سِلاحُ الشيطان ومَدْخَلٌ مِنْ مداخِلِه.

والعلاجُ في سَدِّ هذه المداخل بتطهيرِ القلب مِنْ الصفات المذمومة، وسيأتي تِباعاً على التفصيل في بيان علاجِ الصفاتِ الْمُهْلِكات مِنْ رُبْعِ المهلكات.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل