أقلام الثبات
عند كل منعطف و مرحلة سياسية تتعلق ما بات مصطلح عليه ب" التسوية" والقضية الفلسطينية ، يخرج علينا رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ومبعوث الرباعية الدولية السيد توني بلير ، وجديده اليوم مقالة عنونها ب "المعضلة الفلسطينية " ، بمناسبة الإعلان عن صفقة " ترامب – نتنياهو". طوني بلير الذي جهد خلال كل السنوات أل 12 التي شارك فيها بشكل أو بآخر في عملية " السلام " ، على حد قوله ، أن يصطف إلى جانب الكيان الصهيوني على حساب حقوق الشعب الفلسطيني . وهذا ليس بمستغرب على الإطلاق ، فمبعوث الرباعية الدولية ، كان على الدوام عراباً لرؤى سياسية صهيونية ، عملّ على التسويق لها عند مجموعة من النظم العربية النافذة بقدراتها وإمكانياتها المادية ، كالسعودية والدول الخليجية ، لتمارس بدورها ما تتطلبه من ضغوط على الفلسطينيين للقبول بها .
في مقالته الجديدة " المعضلة الفلسطينية " ، يتظاهر بأنه مع مطلب الفلسطينيين بدولة فلسطينية ، وفق رؤية صفقة ترامب – نتنياهو ، بعد أن أبدى موافقته وإعجابه بها ، وعاب على الفلسطينيين أنهم رفضوها ، وكأنه يقول : أنّ الفلسطينيين ينقصهم الرشد والدراية والنضج وعدم الواقعية للظروف والتطورات، وهم بذلك يضيعون عليهم فرصة لن تتكرر ، من خلفية أنّ ما يُطرح في كل مرحلة ، يأتي أسوأ من سابقاته ، بمعنى أن على الفلسطينيين أن يلحقوا أنفسهم قبل ضياع الفرصة االتي توفرها " صفقة القرن " ، وهو بذلك يُسوق لها .
" طوني بلير " ذهبّ ليتهم من يؤيد الفلسطينيين في الواقع الدولي ، أنهم قد ساهموا في إغراقهم بالحديث عن العدالة التاريخية لقضيتهم ، وإنغماسهم في قرارات وإيماءات وتعبيرات خطابية للتضامن التي لا قيمة لها في العالم الحقيقي . وكأنه يقول للفلسطينيين ، لا تستمعوا إلى هؤلاء ، وتأييدهم لم يعد عليكم بالفائدة ، لأن قضيتكم قد أكل عليها الدهر وشرب ، وليس من المفيد التمسك بذلك ، وهي أي قضيتكم ، كمن يقف على الأطلال يتذكر تاريخه وبطولاته المجيده، ليس إلاّ .
وفوق ذلك فالسيد طوني بلير يبرر للكيان أفعاله وجرائمه تحت ذريعة أحقيته بالدفاع عن أمنه، هو قد ذهب بعيداً للقول : كيف يعقل لدولة قائمة وقوية أي " الكيان "، أن تأتمن لجانب دولة لا وجود لها، بل يجري الحديث عن إقامتها . لذلك لابد أن تشعر الدولة القائمة بالأمان عند إنشاء الدولة الثانية، لسبب من جملة أسباب، أن الفصل بين السكان ليس بالسهولة التي يتوقعها البعض .
ولعلّ الشيء الوحيد الذي قد نتوافق معه هو ما تعانيه الساحة الفلسطينية من انقسام مستحكم بين حماس وفتح والتي تعاني بدورها من إنقسام عميق حسب قوله، واصفاً محادثات المصالحة على أنها أشبه بنصب تذكاري من انعدام الثقة المتبادلة، ولكن السيد بلير يتناسى أو يتذاكى، أن حليفه الكيان الصهيوني، يعمل ليل نهار وبكل ما أوتي من قوة ووسائل على تعميق هذا الانقسام وتوظيفه لتمرير وفرض وقائعه الميدانية على غير مستوى وصعيد.