الثبات ـ ثقافة
من أهم الشخصيات الفلسطينية التاريخية، الأديبة الراحلة أسمى طوبي، التي تعتبر واحدة من رائدات الحركة النسوية والأدبية في فلسطين.
في أوائل ستينيات القرن الماضي عكفت أسمى طوبي على إعداد كتابها الأشهر «عبير ومجد» الذي يُعتبر منذ صدوره في سنة 1966، من أهم المراجع عن المرأة الفلسطينية، إذ احتوى فيما احتواه على مقابلاتها مع النساء اللواتي اختارتهن من شتى الميادين، فكتبت عن تجربة كل منهن كما سمعتها، ولعلها التجربة النسائية الأولى في ميدان «التاريخ الشفوي»، أما المقيمات في الأقطار الشتى فقد راسلتهن، وجمعت سير الشهيدات والراحلات منهن.
ولدت أسمى طوبي سنة 1905 في مدينة الناصرة داخل الأراضي المحتلة عام 1948 والدها رزق طوبي وزوجها الياس نقولا خوري، ولهما ابنة اسمها سلوى، درست أسمى طوبي في المدرسة الإنكليزية في الناصرة، وكان لها ميل شديد لتعلم اللغات، واصلت تعلم كل من اللغتين الإنكليزية واليونانية عبر المطالعة والدراسة الخاصة، وبعد زواجها وانتقالها مع زوجها إلى مدينته عكا، درست القرآن الكريم لكي تتمكن جيداً من اللغة العربية.
وظهر ميل طوبي إلى الأدب والشعر منذ حداثتها ولمّا كان والدها رزق طوبي شاعراً، فقد اطلعت عبره على المعلقات وعيون الشعر العربي وتعلمت منه بحور الشعر وأصول الإلقاء، واقتداء به أصبح الشعر غذاءها الروحي.
وواكبت أسمى طوبي بجرأتها، النهضة المسرحية التي شهدتها فلسطين في عشرينيات القرن العشرين، وفي سنة 1925، ولم تتجاوز العشرين من عمرها بعد، أعدّت أولى مسرحياتها «مصرع قيصر روسيا وعائلته» التي عرضتها في عكا، وكانت من خمسة فصول.
وتواصلت كتاباتها المسرحية، فكتبت: «أصل شجرة الميلاد»، «صبر وفرج»، و»نساء وأسرار»، و»شهيدة الإخلاص»، و»واحدة بواحدة» و»قمار» وباستثناء الأخيرتين اللتين تألفت كل منهما من فصل واحد، فمسرحياتها الباقية تألفت من ثلاثة أو أربعة فصول، وقد مُثّلت معظمها على خشبات المسارح العامة والمدرسية.
وفي أعقاب ثورة البراق، تأسست في القدس «جمعية السيدات العربيات»، وقامت على غرارها جمعيات في مختلف المدن الفلسطينية، وقد عُرفت هذه الجمعيات أيضاً باسم «لجان السيدات العربيات»، وكان لأسمى طوبي دور مميز في تأسيس «لجنة السيدات العربيات» في مدينة عكا.
ومع تطور العمل النسائي في مرحلتي الإضراب والثورة الكبرى (1936- 1939) من العمل الاجتماعي والإنساني إلى العمل الميداني، كان لها دورها البارز في جمع التبرعات ومد الثوار بالمال، وفي الإشراف على تدريب الممرضات وفرق الإسعاف الميداني، كما زارت ورفيقاتها الجرحى وعائلات الشهداء، وقدمن كل ما بإمكانهن: من رغيف الخبز إلى العلاج والدواء.
وتزامن عملها الميداني مع مواصلتها تأدية دورها التثقيفي عبر الإذاعة والصحافة فكانت من أولى المذيعات في الإذاعة الفلسطينية التي تأسست سنة 1936 واشتهرت باسم «هُنا القدس»، فكانت تقدم حديثاً أسبوعياً للمرأة بشكل خاص، وفي حديث لها بعنوان «إلى الأم العربية»، ركزت على ثلاث دعائم في تربية الطفل، وهي: «الصدق والواجب، والشرف».
ولما تأسست محطة الشرق الأدنى في يافا أذاعت الأحاديث عبر أثيرها، كما نشرت مقالاتها في أكثر من صحيفة، ومن أبرزها جريدة «فلسطين» التي أصبحت المحررة المسؤولة عن صفحتها النسائية، وتقول مؤسسة الدراسات الفلسطينية إن أسمى طوبي كانت تعمل في ثلاثة ميادين معاً، وهي: ميدان العمل الاجتماعي والإنساني: في أعقاب «المؤتمر النسائي الشرقي» الذي عقد في القاهرة عام 1938 بدعوة من رئيسة الاتحاد النسائي المصري هدى شعراوي، تحوّلت الجمعيات واللجان النسائية في فلسطين إلى اتحادات، ولما تأسس الاتحاد النسائي الفلسطيني في عكا، قامت طوبي في المرحلة الأولى بمسؤولية أمانة سر الاتحاد، ثم تولّت رئاسته حتى النكبة، وعملت أيضاً في كل من جمعية الشابات المسيحيات وجمعية الشابات الأرثوذوكسيات، فكانت عضواً في الأولى ورئيسة للثانية، كما نشطت في ميدان العمل النضالي: مع تطور العمل النضالي خلال الثورة التي قامت ضد قرار التقسيم سنة 1937، كانت تدعو إلى التظاهرات وتتصدرها، وتكتب الاحتجاجات على الاستعمار البريطاني الصهيوني، فكانت قدوة لكل من حولها، بإيمانها ووطنيتها وصلابتها، كذلك نشطت طوبي في ميدان الكتابة عن الوطن والمرأة: نشرت مؤلفاتها في الأربعينيات من القرن الماضي في مدينة عكا، ولعل إنجازها الأهم، في تلك الفترة، مخطوطتها بعنوان: «المرأة العربية في فلسطين»، وهي دراسة في أعمال المرأة ونضالاتها، وقد أرسلتها إلى المطبعة، غير أن ذاك العام كان عام النكبة، فغادرت عكا مرغمة مع من غادروها مخلّفة وراءها كتابها الذي لم يشاهد النور. واستقرت أسمى طوبي مع أسرتها في بيروت، واستأنفت نشاطها فأذاعت الأحاديث من «الإذاعة اللبنانية» وكتبت في دوريات متعددة، منها «الحياة» و «كل شيء»، ومجلة «الأحد» الأسبوعية، ومجلة «دنيا المرأة» الشهرية، وكانت أبرز مواضيعها عن فلسطين والمرأة والإنسانيات.
ونشرت أسمى طوبي أشعارها في كتابها «حبي الكبير» سنة 1972، ولكن رغم اطّلاعها الواسع على الشعر الحديث ورقّة مشاعرها وأحاسيسها التي وجدت في الشعر مرتعاً خصباً لها، ومع إبداعها في كتابة الشعر الحر، فإنها لم تنشر سوى هذا الكتاب، كما إنها لم تعد ثانية إلى كتابة المسرحية، وراحت تبذل جهدها في ترجمة ما تختاره وتجد الأهمية لنشره، كما فعلت في كتابها «الدنيا حكايات»، فهي حكايات من صميم الواقع اختارتها من عشرات الحكايات في المجلات المعنية بالقصص الحقيقية التي كتبت كل منها بقلم صاحبة التجربة.
نالت أسمى طوبي وسام قسطنطين الأكبر من رتبة ضابط في سنة 1973، وكانت من أوائل السيدات في العالم اللواتي حظين به، توفيت أسمى طوبي سنة 1983 في بيروت ودفنت فيها، ومُنحت بعد وفاتها وسام القدس للثقافة والفنون والآداب من قبل منظمة التحرير الفلسطينية في كانون الثاني 1990.