الثبات- ثقافة
في زمنٍ تتقارب فيه القارات بضغطة زر، وتتوارى فيه الخصوصيات خلف شاشات سائلة، يطلّ علينا سؤالٌ كبير: من نحن؟
في عصر العولمة، لم يعد السؤال عن الاندماج هو المحور، بل أصبح السؤال الأهم: كيف نصمد دون أن نتقوقع؟ وكيف نُصافح العالم دون أن نذوب فيه؟
الهُوية... ليست رداءً نخلعه
الهوية الثقافية ليست مجرد زيّ تقليدي نرتديه في المناسبات، ولا لهجة محلية نتغنّى بها في الأغاني الشعبية، بل هي مجموع القيم، والمبادئ، واللغة، والعقيدة، والتاريخ، والذاكرة الجماعية التي تمنح الإنسان إحساسًا بالانتماء والمعنى قال الله تعالى: {صبغةَ اللهِ ومن أحسنُ من اللهِ صبغةً ونحنُ لهُ عابدون} فهوية المسلم صبغة ربانية، لا تمحوها الأمواج، ولا تبدّلها العواصف
العولمة... سيفٌ ذو حدّين
إن العولمة بما تحمله من انفتاح معرفي واقتصادي وثقافي، قد أتاحت لنا فرصًا هائلة للتطور والتواصل، لكنها – في ذات الوقت – حملت معها نموذجًا ثقافيًا مهيمنًا، يسعى لفرض معاييره ومقاييسه على الجميع، تحت مسمّى "الحداثة" أو "المعاصرة" فأصبح التحدي الأكبر أمام المجتمعات الإسلامية والعربية هو: كيف ننتفع بالعولمة دون أن نخسر أنفسنا؟
بين الذوبان والانغلاق
بعض الناس، في مواجهة هذا التحدي، اختاروا الذوبان التام، فانساقوا وراء كل وافد، ولو كان مخلًا بهويتهم، وآخرون اختاروا الانغلاق التام، فابتعدوا عن العالم ورفضوا كل جديد لكن السبيل الأمثل هو سبيل الوعي والتوازن: أن ننفتح على العالم ونحن نحمل وعينا وهويتنا وقيمنا، نأخذ ونرد، نزن كل جديد بميزان العلم والإيمان، لا نرفض لمجرد أنه وافد، ولا نقبل لمجرد أنه "حديث"
الحفاظ على الهوية مسؤولية جماعية
مسؤولية الأسرة: بتربية الأبناء على الاعتزاز بالإسلام ولغته وأخلاقه
مسؤولية المدرسة: بتقديم مناهج ترسّخ الانتماء لا التبعية
مسؤولية الإعلام: بأن يصنع محتوى يعبّر عن واقعنا وهويتنا
مسؤولية المفكرين والدعاة: في بلورة خطاب يجمع بين الأصالة والمعاصرة
وفي نهاية المطاف ليست العولمة شرًا مطلقًا، وليست هويتنا هشةً كما يُظَن، بل نحن أمةٌ {خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} إذا امتلكنا الوعي، وأحسَنّا البناء، وتمسكنا بالجذور، سنظلّ واقفين في مهبّ الريح... نصافح العالم دون أن نُفلت الجذور