أقلام الثبات
كان واضحًا أن التطورات المتسارعة بعد اغتيال اللواء قاسم سليماني، فرضت نفسها على تشكيل الحكومة في لبنان، وتتابعًا على المسار الانحداري الاقتصادي الذي يزداد قتامة يومًا بعد يوم. ولقد تشابكت القضايا المحلية مع الاقليمية، وبات لبنان والعراق أمام واقع جديد عنوانه "التصعيد الأميركي الايراني في مرحلة انتخابية أميركية حسّاسة".
وتبدو السلطة السياسية اللبنانية غائبة وعاجزة في آن، في ظل التدهور الاقتصادي المتسارع، وفي ظل المشاكل التي يعانيها اللبنانيون يوميًا في المصارف لتسوّل أموالهم، ووقوفهم بإذلال أمام موظفي البنك للمطالبة بحقوقهم، وتحوّل بعض موظفي البنوك الى "بلطجية" مهمتهم ضرب الزبون الذي يتجرأ على رفع صوته والمطالبة بحقه.
وفي خضم هذه المعمعة، يغيب رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري ويتخلى عن مهماته في تصريف الأعمال، وذلك أملاً بتسريع الانهيار، ولتحقيق ما كان قد هدد به خلال أزمة المشاورات الحكومية، وهي عبارة "سيعودون بعد ستة أشهر، راكضين خلفي لتشكيل الحكومة".
والمشكلة التي تواجه اللبنانيين اليوم، لها وجوه عدّة أبرزها:
أولاً؛ سلطة سياسية تبدو بعيدة عن هواجس اللبنانيين، وعاجزة عن أن تشعر بأوجاعهم وقلقهم، تتناتش فيما بينها، ويحاول كل طرف رمي المسؤولية على الآخرين.
ثانيًا، فجور أركان الدولة العميقة، وضرب القانون عرض الحائط، ومخالفات مستمرة في ظل عجز واضح للسلطة القضائية عن الاضطلاع بدورها المطلوب.
ثالثًا، أوهام تملكت الرئيس المكلف حسان دياب، بأنه قادر أن ينتزع من الأحزاب السياسية ما عجز عنه الحريري. لقد وضع الحريري شرطين لعودته الى الحكومة، الأولى تشكيلة من "الوزراء المستقلين" يسميهم بنفسه، والثانية مطالبته بصلاحيات تشريعية استثنائية تضاف الى صلاحيات الحكومة التنفيذية.
واقعيًا، وقبل البحث بصلاحيات بإضافة صلاحيات تشريعية للحكومة،اختلف الحريري مع حلفائه وشركائه في السلطة على مبدأ جوهري وأساسي، وهو رغبة الحريري في تسمية الوزراء التكنوقراط بنفسه وفرض وزراء على الكتل السياسية المعنية، وهو ما دفع التيار الوطني الحر الى الإعلان بإنه سيتجه الى المعارضة وأنه غير معني بالدخول في حكومة الحريري المزمع تشكيلها.
لقد أخطأ دياب في القراءة الواقعية لجوهر السلطة في لبنان. إن السلطة السياسية وأحزابها، عادة ما تتكاتف مع بعضها البعض ضد أي طرف جديد من خارج النادي السياسي وهو ما رأيناه في تكاتف وتكافل الترويكا "بري والحريري وجنبلاط" ضد التيار الوطني الحر منذ دخوله الى السلطة، وتعطيل المشاريع التي تقدم بها وزراء التيار، وهو ما أعلنه مرة أحد وزراء الحزب التقدمي الاشتراكي علنًا، بقوله "دخلنا الى الحكومة لنعطّل مشاريع التيار الوطني الحر".
والنتيجة اليوم، أن الرئيس المكلف حسان دياب أضاع فرصة ذهبية لتشكيل الحكومة، حين كانت الكتل النيابية الداعمة له مستعدة لتقديم التسهيلات لتشكيل الحكومة، وذلك باعتقاده أن تلك الكتل ستعطيه ما لم تعطه الحريري. التيار الوطني الحر ما كان ليعطي دياب ما رفض إعطاءه للحريري، أما الرئيس برّي والثنائي الشيعي، فدياب ليس خيارهم بالأساس، وما زال الحريري لغاية اليوم هو الخيار الأمثل للرئيس برّي وحزب الله، أما الكتل الباقية فهي غير معنية بإنجاح مهمة دياب أصلاً. وعليه، من أقنع حسان دياب بقدرته على النجاح حيث فشل الحريري، قد باعه وهمًا.