الثبات - مقالات فكرية
أمتنا تستطيع إفساد مؤامرات أعدائها إذا توحدت
أكد العلامة السوري الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي أنَّ استعادة العرب والمسلمين رباط الأخوة التي عقدها الله بينهم بدلاً من حالة التفرق والتخاصم والشقاق يعد الفريضة الغائبة، وأشار إلى أنه من الرافضين لفقه الأقليات لأنَّه يقسم الإسلام إلى إسلامات، وحذر من مزاعم ومخططات التنويرين الذين يعدون طابوراً خامساً ضد مصالح الأمة.
وهذا نص الحوار:
-بُحَ صوتكم في ترديد النداء الدائم يا مسلمي العالم اتحدوا فهل مقومات هذا الاتحاد موجودة؟
ندائي الدائم للمسلمين بالوحدة لأنهم أغنى الناس بالثروات التي أودعها الله ذخراً في أوطانهم، وأقوى الناس بما يملكون من حوافز الوحدة والتضامن فيما بينهم، وأعز الناس بما أوتوا من القيم الإنسانية الراشدة ودعائم الحضارة المثلى والعقائد الإيمانية الصادقة، هذه المزايا الثلاث لو تم تفعيلها ترشحهم لمركز قيادة العالم.
-إذن ما معوقات هذه الوحدة المنشودة؟
معوقات تحقيق هذه الوحدة تتلخص في التخلي عن المزايا الثلاث السابقة، والركون إلى الشقاق بدلاً عن الوفاق، حتى نسي العالم أثر الإسلام العجيب في توحيد القبائل والشعوب المتعادية، ونسينا النداء واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا وتحذيره الدائم ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم.
ويجب أن يعلم المسلمون أن مصالحهم كلها رهن باتحادهم وتضامنهم وليس من منطق القوميات، التي كانت ولا تزال السلاح الذي يستخدم لغرس الشقاق والتشرذم، وما أحوجنا إلى الترجمة العملية لكلمة الفاروق عمر بن الخطاب نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما طلبنا العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله، ولهذا أحذر من صانعي قرارات المكر السياسي في العالم الذين نجحوا في إخضاع القانون العالمي لسلطان أطماعهم بتأجيج نار الخصومات بين الجيران والأشقاء لامتصاص خيراتهم، وشل أنشطة ذوي الاقتصادات المحدودة للإبقاء على احتكاراتهم وتحويل العالم إلى أسواق استهلاكية لشركاتهم .
-الحديث عن الوحدة والتصدي للأعداء يقودنا للحديث عن العلاقة مع الآخر الديني عموماً، حيث كنتم من العلماء الموقعين على وثيقة تجميد الحوار بين الأزهر والفاتيكان وفي نفس الوقت لكم كتابات عن الديانات الإبراهيمية الشرق أوسطية الثلاث والعامل المشترك بينها مما يسهم في الحوار بينها فما تفسيركم لهذا الموقف الذي قد يبدو متناقضاً لدى عامة الناس؟
ليس هناك تناقض إذا علمنا أنَّ سبب توقيعي مع أكثر من خمسين عالماً من مختلف الدول العربية والإسلامية بتجميد الحوار مع الفاتيكان لعدم جدوى الحوار معه في ظل تكرار الإساءات من بابا الفاتيكان للإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم، ورفضه الاعتذار عن المغالطات التي جاءت على لسانه، وفي نفس الوقت محاولة الفاتيكان التدخل في الشؤون الداخلية في الدول العربية التي بها مسيحيون، لهذا كان لابدَّ من وقفة مع الفاتيكان.
أما بالنسبة للأديان الشرق أوسطية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام ففيها غنى روحي وأخلاقي قوي وفاعل، ويمكن أن يقودها ذلك إلى تحقيق التفاهم والعمل المشترك للوصول إلى عالم تتحقق فيه العدالة وينعم بالسلام، لكن من المؤسف أن الواقع شيء آخر بسبب استخدام السياسة للدين من أجل السيطرة على الثروات والمصادر الاقتصادية وإشعال الحروب.
-قد يقول قائل ولكن المسلمين حرقوا وهدموا بعض الكنائس فما ردكم؟
لا يوجد دين يحمي دور العبادة لمختلف الأديان أياً كان نوعها ويرفض العدوان عليها أو حتى الإساءة إليها قدر ما يفعل الإسلام، وقد حذر القرآن من أي مساس أو إساءة أو عدوان عليها فقال: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً}، وتعاليم الإسلام تدين المتطرفين المسلمين الذين يخضعون كثيراً من المبادئ والأحكام الإسلامية لأمزجتهم وردود أفعالهم، ويتجاهلون حكم الله ووصاياه في تلك القضية، وقد سجل تاريخنا الإسلامي منذ عصر النبوة إلى آخر يوم من عمر الخلافة الإسلامية ومختلف العصور حماية الدولة الإسلامية لبيع اليهود وكنائس النصارى وأديرة الرهبان ورعايتها مع جوامع المسلمين ومساجدهم في حالتي السلم والحرب، ولهذا فإن الإسلام بريء من كل من يخالفون تعاليمه ويعتدون على دور عبادة غير المسلمين، حتى وإن ادعوا أنهم من أتباع الإسلام المخلصين، لأنهم في الحقيقة يضرون الإسلام ويخدمون أعداءه .
-كان لكم موقف متحفز لدرجة الرفض والمعارضة للإنترنت ثم حدث تحول في هذا الموقف فما أسباب الرفض أولاً ثم التحول ثانياً؟
سبب رفضي أولاً هو انطباعي الذي أومن به، وربما كنت مخطئاً في تعميمه، وهو أن كل المنجزات العلمية والحضارية مجندة لأهداف لا إنسانية، ولخدمة الدول المتقدمة وضد مصالح الدول الفقيرة، بل إنها ضد الروحانيات والقيم والفضائل ولهذا سيتم تطويع شبكة الإنترنت ، ثم تغير رأيي فيها بعد أن عرفت أن الإنترنت سلاح ذو حدين فكما يمكن استخدامه في تحقيق الأهداف الشريرة يمكن استخدامه كمنبر حر تذاع منه كلمة الحق وتقديم المعارف المفيدة، بل إنه أداة لاستمرار الصراع بين الحق والباطل، وواجبنا أن نحسن استخدامه لبيان الحق والدفاع عنه والتصدي لذوي الأغراض الشريرة .
-فماذا تقول للدعاة حتى يمكنهم استخدام الإنترنت للنهوض بالدعوة الإسلامية على مستوي العالم كله وليس في دولنا العربية والإسلامية فقط؟
الداعية ابن عصره وعليه أن يتفاعل مع الأدوات المفيدة في عصره، ولأن شبكة الإنترنت تكاد تبتلع العالم، وأصبح ساحة للجميع، فلهذا يمكن للدعاة أن يحولوه إلى منبر لإعلاء صوت الإسلام، والتعريف به والدعوة إليه والدفاع عنه وحل المشكلات المثارة حوله، وأنا الآن أستطيع أن أؤكد أن هذه الشبكة مرآة لواقع الصراع الموجود منذ أقدم العصور وحتى تقوم الساعة بين الخير والشر والحق والباطل، ولهذا أدعو الدعاة إلى التسلح بالعلم الديني والدنيوي المفيد وأن يكون لديهم إلمام بالوسائل التكنولوجية التي تفيدهم في أداء عملهم الدعوي، وقد لمست هذا في أنشطتي الدعوية الإسلامية التي لم تعد محصورة داخل جدران المساجد أو قاعات الجامعة والمؤتمرات .
-تصديتم بقوة لمن يزعمون أنهم يحملون لواء التنوير، فما ردكم على أقوالهم؟
لا شكَّ هناك العديد من الكلمات انتشرت في مجتمعاتنا العربية والإسلامية مثل الرجعية والتقدمية التنوير الظلاميين، ولهذا فإن واجب الدعاة والمفكرين الإسلاميين الغيورين على دينهم وأوطانهم أن يفندوا دعاوى أدعياء التنوير وأقاويلهم، ويبينوا خلفياتها الفكرية وأهدافهم الخبيثة، وأنهم أبناء الإرادة الاستعمارية التي رفعت شأنهم لأنهم يخدمون أهدافها ويساعدون في تنفيذ أغراضها، ومنها طمس أي هوية للأمة والهجوم على الرموز الدينية.
-تؤكدون أن الديمقراطية ليست شراً مطلقاً كما يقول البعض ولكنكم وضعتم لها ضوابط حتى تكون متوافقة مع ما يدعو إليه الإسلام فما تلك الضوابط؟
أن تعني الديمقراطية حرية الشعوب في اختيار قادتها وحرية الأفراد في التعبير عن أفكارهم ومعتقداتهم فهذا يعتبر مطلباً مهماً من مطالب الإسلام ودعامة راسخة في دعائم مجتمعه، بل إنه المناخ الذي يجب أن ينتشر فيه واجب الدعوة إلى الله والتبصير العلمي والمنطقي بالدين الحق الذي ألزم به عباده، وتاريخنا الإسلامي خير شاهد على ذلك، ولكن المصيبة التي تعرقل وصولنا إليها هناك قوى في الغرب تريد أن تجعلها نافذة لها تتسرب منها إلى قيمنا الحضارية ومصالحنا الذاتية لتفسد تلك القيم وتستلب المصالح وتحيل علاقات الأخوة بين فئاتها إلى حرب وشقاق .
-هناك موجة من الأعمال الفنية التي تركز على التدين الظاهري وتحاول التعميم للإساءة للملتزمين فما خطورة هذا الظاهرة؟
نحن بشر ولسنا ملائكة وما دمنا بشراً فقد وصفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "كل بني آدم خطاء"، ولا شك أن في مجتمع المتدينين والمتدينات من يخطئون، سواء أخطاء جسيمة أم صغيرة، لأن هذه سنة ربانية موجودة في المجتمعات والعصور كلها حتى في عصر الصحابة الذي هو أفضل العصور، ولكن المشكلة في التعميم وتضخيم الأخطاء وتشويه صورة الملتزمين، بل وتشجيع الشباب على المعاصي وتهوينها، ألسنا جميعاً بشراً وقعنا في أخطاء كثيرة؟ ولا يصح لأي عبد يتقي الله عز وجل أن يتتبع العورات ويتصيد الأخطاء ويهتك ستر الله لعباده المخطئين.
-فما الحل في التعامل مع مشكلات أبناء الأقليات؟
لنا في المجامع الفقهية الكثيرة في عالمنا العربي والإسلامي ما يغني عن ابتداع مرجعيات خاصة متخصصة بهذا الفقه الإسلامي الجديد الذي لا عهد للشريعة الإسلامية به.
في النهاية كيف ترى مستقبل الأمة في كلمات قصيرة؟
رغم الواقع الأليم أننا متفائل.
المصدر: حوار مع الإمام البوطي مع مجلة الخليج.