سلسلة أسماء الله الحسنى ...  اسم الله الرَّزاق

الأحد 29 كانون الأول , 2019 01:22 توقيت بيروت إسـلاميــّـــات

الثبات - اسلاميات

 

 اسم الله الرَّزاق

 

الرَّزَّاقُ في اللغة مِنْ صيغِ المبالغةِ على وزن فعَّال منِ اسم الفاعل الرازِق، فعلُه رَزَقَ يَرْزقُ رِزْقاً، والمصدر الرِّزْقُ وهو ما يُنتَفعُ به والجمع أرزاق.

والرَّزَّاقُ سبحانه هو الذي يتولى تنفيذَ المقدَّرِ في عطاءِ الرِّزْقِ المَقسومِ، والذي يخرجُه في السماواتِ والأرضِ، فإخراجُه في السماواتِ يعني: أنه مقضيٌّ مكتوبٌ، وإخراجه في الأرض يعني أنه سَينفُذُ لا محالةَ؛ ولذلك قال الله تعالى في شأن الهدهدِ الموحِّدِ ومخاطبتهِ سليمانَ: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}، فالرزقُ مكتوبٌ في السماءِ وهو وَعْدُ اللهِ وحُكمُه في القضاءِ قبل أن يكونَ واقعًا مقدوراً في الأرضِ.

قال سبحانه وتعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}.

وقال عن تنفيذ ما قَسَمَهُ لكل مخلوقٍ فيما سبق به القضاء: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.

فالرَّزَّاقُ سبحانه هو الذي يتولى تنفيذَ العطاء الذي قدَّرَهُ لأرزاقِ الخلائق لحظةً بلحظةٍ فهو كثيرُ الإنفاقِ، وهو المفيض بالأرزاق رِزْقًا بعد رزقٍ، مبالغةً في الإرْزاقِ وما يتعلَّقُ بقسْمَةِ الأرزاق وترتيبِ أسبابها في المخلوقاتِ، ألا ترى أن الذئبَ قد جعلَ اللهُ رِزْقَهُ في أَنْ يصيدَ الثعلبَ فيأكُلَهُ، والثعلبُ رزقُه أن يصيدَ القُنفذَ فيأكُلَه، والقُنفُذُ رزقُهُ أن يصيدَ الأفعى فيأكلَهَا، والأفعى رزقُهَا أن تصيدَ الطيرَ فتأكُلَه، والطيرُ رزقُه في أَنْ يصيدَ الجرادَ فيأكُلَه، وتتوالى السِّلسةُ في أرزاقٍ متسلسلةٍ رتَّبها الرَّزَّاق في خلقِهِ...

فتبارك الذي أتقَنَ كلَّ شيءٍ في مُلكِهِ، وجعل رِزْقَ الخلائقِ عليه، ضَمِنَ رزقَهُم وسيؤدِّيه لهم كما وَعَدَ، وكل ذلك ليركنوا إليه ويعبدوه وحدَه لا شريكَ له قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}.

وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}، وفي هذا بيانُ أنَّ الذي قَدَّره من الرزق على العمومِ والإجمالِ سيتولَّاه في الخلقِ على مَدَارِ الوقتِ والتفصيلِ فهو سبحانه الرَّزَّاقُ الخلَّاقُ القَديرُ المقتَدر.

والأرزاقُ نوعانِ:

- ظاهرةٌ كالأقوات للأبدانِ،

-باطنة كالمعارفِ والإيمانِ للقلوبِ والنُّفوسِ.

والرازِقُ سُبحانه هو الذي يَرزُقُ الخلائقَ أَجمعينَ، وهو الذي قَدَّرَ أَرْزاقَهم قَبْلَ خلْق العالمين، وهو الذي تَكفَّلَ باستكمالِها ولو بَعْدَ حينٍ، فلنْ تموتَ نفسٌ إلا باستكمالِ رزقِها كما أخبرنا الصادقُ الأمينُ صلى الله عليه وسلم.

وُرُودُ الاسْمَين فِي القرآنِ الكريمِ:

وَرَدَ الاسمُ مفردًا مَرَّةً واحدةً فِي قولِه تعالى: {ِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}.

وَوَرَدَ بصيغةِ الجمعِ خَمْسَ مرّاتٍ منها قولُهُ تعالى: {وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِين}.

وقوله سبحانه: {وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}.

وما أجمل قولهم:

وكذلك الرزَّاق من أسْمائِهِ ... والرزْقُ من أفْعَاله نوعان

رزقٌ على يدِ عَبْدِهِ ورسولِهِ ... نوعان أيضًا ذانِ معروفانِ

رِزْقُ القُلوبِ العِلمُ والإيمانُ وال ... رزقُ المُعَدُّ لهذه الأبدانِ

هذا هو الرزقُ الحلالُ وربُّنَا ... رَزَّاقُه والفَضْلُ للمنانِ

 

ثمراتُ الإيمان بهذين الاسمينِ:

- إِنَّ المُتفَرِّدَ بالرزقِ هو اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ له، قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}.

- إِنَّ الله عز وجل متكفِّلٌ برزقِ مَنْ في السماواتِ والأرضِ، قال سبحانه: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}.

- وكلُّ ذلك بلا ثِقَلٍ ولا كُلفَةٍ ولا مَشقَّةٍ، قال الطحاويُّ رحمه الله: "رازقٌ بلا مُؤْنةٍ" اهـ.

بل لو سألوه جميعًا فأعطاهم لم ينقُصْ ذلك مِن مُلكه شيئًا، كما جاء في قوله تعالى في الحديث القدسي: "يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمِ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ المِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ البَحْرَ".

- إِنَّ اللهَ سُبحانه لم يَخْتصَّ برزقِهِ مَنْ آمن فِي الحياة الدُّنيا، وإنما كان الرِّزقُ فِي الدنيا للجميعِ، للمؤمنين والكافرين، وهذا مِنْ عظيمِ لُطْفِهِ سُبحانه كما قال: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ}.

- إِنَّ الله سُبْحانَهُ متحكِّمٌ فِي أرزاقِ عبادِهِ فيجعلُ مَنْ يشاءُ غنيّاً كثيرَ الرِّزْقِ، ويقترُ على آخرين، وله فِي ذلك حِكَمٌ بالغةٌ، قال تعالى: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ}، وقال سُبْحَانَهُ: {إنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيراً}.

- كثرةُ الرِّزْقِ فِي الدُّنيا لا تدلُّ على محبَّةِ اللهِ تعالى، ولكنَّ الكفارَ لجهلهم ظنُّوا ذلك، قال تعالى عنهم: {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ}.

وقال سبحانه: {للَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ}.

 

 

 

 

 

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل