أنهار الجنة كما رآها النبي صلى الله عليه وآله وسلم

الأربعاء 25 كانون الأول , 2019 03:11 توقيت بيروت إسـلاميــّـــات

الثبات - إسلاميات 

 

أنهار الجنة كما رآها النبي صلى الله عليه وآله وسلم

 

يمثل مشهد أنهار الجنة إحدى المشاهد التي رآها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في السماء السابعة! وهو بذلك يُمَثِّل إحدى الآيات الكبرى التي رآها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رحلة الإسراء والمعراج!

أربعة أنهار في السماء!

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهْرَانِ بَاطِنَانِ وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَانِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: أَمَّا البَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ".

في رواية الرؤيا قال أنس بن مالك: وَحَدَّثَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: "أَنَّهُ رَأَى أَرْبَعَةَ أَنْهَارٍ يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا نَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، وَنَهْرَانِ بَاطِنَانِ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَا هَذِهِ الأَنْهَارُ؟ قَالَ: أَمَّا النَّهْرَانِ الْبَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ: فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ".

لقد رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه المرحلة من رحلة الإسراء والمعراج أربعة أنهار، وسأل جبريل عليه السلام عنها، فأجاب: إن نهرين من هذه الأنهار الأربعة باطنان؛ وهما من أنهار الجنَّة، والآخرين ظاهران؛ وهما النيل والفرات!

هذه الأنهار الأربعة كلها عظيمة؛ بل لعلها من أعظم أنهار الجنَّة، وإلا لما كانت مشاهدتها جزءًا من برنامج زيارة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ما تفسير معنى الباطنين والظاهرين من الأنهار؟

اجتهد العلماء في تفسير معنى الباطنين والظاهرين من الأنهار، والأشهر عندهم أن هذا بسبب ظهور النيل والفرات في الدنيا، واختفاء النهرين الآخرين عن عيون الناس، وهذا قد يُفسِّر جانباً من الأمر؛ لكنه لا يُجيب عن كلِّ الأسئلة التي تتبادر إلى الذهن عند مراجعة مشهد رؤية الأنهار الأربعة! فمثلاً هناك ملاحظة أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أطلق على النهرين الظاهرين هذا الوصف، وفَعَل الشيء نفسه مع النهرين الباطنين، فكيف عرف أن هذين ظاهران، وهذين باطنان، وهو لم يرَ النيل والفرات قبل ذلك، ولا تدلُّ الأحاديث على أن شكلهما مختلف؟ إذن تبرير ظهور النيل والفرات في الدنيا لا يكفي بمفرده لتفسير كلمة "ظاهرين" لهما!

فما تفسير ذلك؟ وكيف عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهما ظاهران؟

الذي يبدو لي أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد لاحظ أمراً ما على النهرين الظاهرين يجعل وصف "الظهور" مناسباً لهما؛ وذلك قبل أن يعرف أنهما يظهران في الدنيا، أما الباطنان فلم تكن لهما هذه الصفة؛ وصفة "الظهور" في اللغة تعني الوضوح والمعاينة، وهذا يعني أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم رأى في الواقع نهرين "يظهران" أمام عينه على الحقيقة، وهو ما رآه نفسه في السماء الدنيا في الرحلة نفسها، ولم يُعَلِّق هناك على أنهما كذلك؛ لأن هذا شيء طبيعي لا يحتاج إلى تعليق، بينما يصفهما هنا بالظهور لأن إلى جوارهما نهرين آخرين "لا يظهران"، يعني "باطنين"!

وكيف رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم نهرين باطنين لا يظهران؟

الواقع أنه رأى تجسيماً لهما، أو صورة مُجسَّمة لهما، ولم يُوجدا على الحقيقة في السماء السابعة؛ ولكنه رأى شكلهما أو خيالهما؛ بينما يجري هذان النهران في الجنَّة، ولا يجريان في السماء السابعة؛ أي أن هذا مجرَّد عرض تمهيدي لما سيراه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك في الجنَّة، وهذا شبيه بموقف مرَّ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة بعد ذلك، وحكاه أنس بن مالك رضي الله عنه. يقول أَنَس: "صَلَّى لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ رَقِيَ المِنْبَرَ، فَأَشَارَ بِيَدَيْهِ قِبَلَ قِبْلَةِ المَسْجِدِ، ثُمَّ قَالَ: "لَقَدْ رَأَيْتُ الآنَ مُنْذُ صَلَّيْتُ لَكُمُ الصَّلاَةَ الجَنَّةَ وَالنَّارَ مُمَثَّلَتَيْنِ فِي قِبْلَةِ هَذَا الجِدَارِ، فَلَمْ أَرَ كَاليَوْمِ فِي الخَيْرِ وَالشَّرِّ". ثَلاَثاً.

فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الموقف السابق رأى الجنَّة والنار على الجدار؛ لكنه لم يرهما رؤية معاينة؛ أي أن رؤيته هذه رؤية "باطنة" وليست "ظاهرة"، وهو ما حدث نفسه في السماء السابعة، وهذا سيختلف -لا شكَّ- عندما سيدخل الجنَّة -كما سنرى لاحقاً- في رحلة المعراج، فلن يُطْلَق على الأنهار التي يراها في الجنَّة حينئذٍ وصف "الأنهار الباطنة"؛ لأنها صارت "ظاهرة" له على الحقيقة.

ويؤكد هذه الرؤية الجديدة لموضوع الأنهار لفظ السؤال الذي استخدمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما سأل جبريل عن هذه الأنهار؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهْرَانِ بَاطِنَانِ وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَانِ يَا جِبْرِيلُ؟..". فكان من الطبيعي أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سؤاله بصيغة الجمع، كأن يقول -كما جاء في رواية الرؤيا-: "مَا هَذِهِ الأَنْهَارُ؟" ولكنه سأل بصيغة المثنى فقال: "مَا هَذَانِ يَا جِبْرِيلُ؟" وهذا يعني أنه لا يسأل في الحقيقة عن الأنهار؛ إنما يسأل عن "المشهدين": مشهد النهرين الظاهرين، ومشهد النهرين الباطنين، ولهذا سأل بصيغة المثنى.

هل النيل والفرات من أنهار الجنة على الحقيقة؟

لاستكمال الصورة ينبغي أن نعرف أن النيل والفرات من أنهار الجنَّة! فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ، وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الجَنَّةِ".

وفي رواية أحمد رحمه الله قال: "فُجِّرَتْ أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ مِنَ الجَنَّةِ: الْفُرَاتُ، وَالنِّيلُ، وَسَيْحَانُ، وَجَيْحَان.

فالفرات والنيل اللذان رآها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في السماء السابعة هما في الحقيقة من أنهار الجنَّة كذلك، والعلماء يختلفون في تفسير كونهما من أنهار الجنَّة، فبعضهم يرى أنها تسمية مشتركة لشيئين مختلفين، ولا علاقة للنيل والفرات في مصر والعراق بأنهار الجنَّة، وبعضهم يرى أن الأمر مجازي؛ بمعنى أن نهري النيل والفرات فيهما بركة أنهار الجنَّة؛ بينما يرى فريق ثالث أن الأمر حقيقي، وأن ماء النيل والفرات يأتي من الجنَّة بشكل أو آخر.

أن يكون منبع نهري النيل والفرات يخرج من الجنَّة!،هذا لا يستحيل على العقل أبداً؛ فقدرة الله بالغة، وهو لا يُعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وليس هناك ما يمنع أن يجعل الله تعالى مياه النيل والفرات من الجنَّة، وهذا -لو صَحَّت الأحاديث بشأنه- يُصبح أمراً من أمور اختبارنا، ومسألة من مسائل يقيننا بالغيب الذي كشفه لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

والواقع أن الأحاديث التي ذكرت أن النيل والفرات من أنهار الجنَّة أحاديث صحيحة كما مرَّ بنا؛ ومجموعها يُؤَكِّد على أن منبع النيل والفرات من الجنَّة، فرواية مسلم صريحة في كون النيل والفرات من أنهار الجنَّة، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ، وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الجَنَّةِ".


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل