أقلام الثبات
بعد مرور شهر على احتجاجات لبنان، يبدو أن الحراك اللبناني الذي بدأ بمطالب شعبية محقّة لا يختلف عليها أحد في لبنان، تحوّل في جزء كبير منه الى ساحة لتصفية الحسابات السياسية، والتفاوض عبر الشارع وقطع الطرقات.
الجميع يعلم أن قطع الطرق كان من تدبير وتنفيذ قوى سياسية محددة، أرادت أن ترسل رسائل الى أطراف السلطة الآخرين أن الفوضى ممكنة، وأن ميزان القوى غير المتكافئ سياسيًا وشعبيًا وأمنيًا يمكن الالتفاف عليه عبر "توسيع رقعة الفوضى" و"إغراق الجيش اللبناني بالحوادث والتصويب عليه لتكبيله"، بالاضافة الى سفك دماء الأبرياء على الطرقات، لاستغلالها لتحقيق مكاسب سياسية لا يمكن تحقيقها بالأطر الدستورية الطبيعية.
وفي أواخر الأسبوع الماضي، وبعد اتخاذ الجيش قراراً حاسمًا بفتح الطرق، كان واضحًا انسحاب بعض قوى الأمر الواقع من الطرقات لاعتقادها أن قطع الطرق بات يضرّ بها أكثر مما يفيدها، باستثناء سعد الحريري. وهكذا نرى أنه بالرغم من القرار الحاسم للجيش وخروج شركائه من الطرقات استمر قطع الطرق في البيئات المحسوبة على تيار المستقبل، ترافقت مع رسائل سياسية إعلامية، تتحدث عن أن "التخلي عن الحريري سيكون كارثيًا" وقول الحريري أن شركاءه في السلطة "سيعرفون قيمته بعد ستة أشهر"، وأن إصرار القوى السياسية عليه، تعني أن عليهم أن يقبلوا بأن يشكّل حكومة منفردًا وعلى "على ذوقه"!.
واقعيًا، إن ما يطلبه الحريري يعدّ انقضاضًا على كل المفاهيم الديمقراطية، فالحكومات تشكّل عادةً من الغالبية البرلمانية، وإن تعذّر القيام بذلك، تقوم الكتل النيابية بالاتفاق على حكومة إئتلافية، أو ما نسميه في لبنان "حكومة الوحدة الوطنية". أما التعامل مع الحكومة اللبنانية وكأنها شركة خاصة لرئيس الحكومة، يختار هو بنفسه كامل أعضاءها، فهذا ما لم يعرفه أي نظام ديمقراطي في العالم. مع العلم، أن سجّل الحريري في إدارة الشركات الخاصة ليس مشجعًا، ولنا في سعوديه أوجيه، وتلفزيون وجريد المستقبل وسواهما عبرة واضحة.
المشكلة التي يواجهها اللبنانيون اليوم، أن السعودية بالأساس لا ترغب بالحريري وهي تفضل الفراغ والفوضى على حكومة مشابهة للحكومة السابقة، لذا هو يريد أن يعطي الحكام السعوديين أساسًا قويًا للقبول بعودته الى الحكم، أي الاطاحة بحزب الله والتيار الوطني الحر من الحكومة كليًا، وهذا أمر متعذر داخليًا وعمليًا.
أما على الصعيد الخارجي، فيظهر ان الدول الأوروبية (فرنسا خاصة) كانت قد أعلنت مرارًا أن تطبيق مقررات "سيدر" غير مرتبطة بالحريري نفسه بل بحكومة تتمتع بالمصداقية والقدرة على تنفيذ الاصلاحات... ويبقى أن ننتظر موقف الاميركيين، هل يؤيدون الاستمرار في المماطلة والفراغ، أو يقررون أنه آن الأوان لعودة الاستقرار؟ الأمر مرتبط بالتأكيد، بمصلحتهم في الأمرين، فعندما يصبح الفراغ عبئًا عليهم وعلى حلفائهم سيسهّلون ولادة الحكومة العتيدة، بالحريري أو بغير الحريري.