أقلام الثبات
من الإدعاء بأن وجود سلاح المقاومة هو سبب الأزمة الإقتصادية الخانقة التي يعانيها لبنان، إلى الهتاف "السنيورة حرامي"، مسافة طويلة تنقلت فيها إنتفاضة اللبنانيين، رفضاً للنهج الضرائبي لحكومة سعد الحريري ، تمكن خلالها اللبنانيون من إفشال حلقة جديدة من التآمر الأميركي على لبنان واللبنانيين.
صحح الصادقون والشرفاء وهم الشريحة الأكبر والأوسع من المتظاهرين، بوصلة التحرك، الذي كانت شرارة إشتعاله إعلان الوزير محمد شقير المحسوب على الحريري وزميله القواتي غسان حاصباني، بشكل مفاجىء ومفتعل، موافقة مجلس الوزراء على فرض رسم يطال كل اللبنانيين، على المكالمات الخلوية عبر تطبيق "واتس آب"، في وقت كان اللبنانيون يتذمرون ويضجون بالمعلومات القائلة أن الحريري يحضر لفرض رسوم تطال الفقراء بالدرجة الأولى، مثل: زيادة خمسة آلاف ليرة على صفيحة البنزين، رفع الضريبة على القيمة المضافة إلى 15 في المائة، زيادة المحسومات التقاعدية، تجميد زيادة الرواتب والأجور لمدة 3 سنوات، زيادة الحسومات التقاعدية من 6% الى 10%، اعتماد التعاقد الوظيفي وتعديل نظام التقاعد، زيادة أسعار الكهرباء وإلغاء دعمها. إضافة إلى تحضيره لتنفيذ شروط مؤتمر "سيدر"، التي تكبل لبنان بالديون المشروطة، ليس فقط لإفقاره وإفلاسه، بل لإلزامه بشروط سياسية تستهدف دور ووجود المقاومة، التي تقف حجر عثرة في وجه المشاريع الأميركية والعدوانية "الإسرائيلية". وكذلك تعمل على وضع أيدي "المستثمرين" (وهم زعماء الطوائف ورجال السياسة ومحاسيبهم) على ما تبقى من أملاك ومؤسسات الدولة، وفق ما تقترحه ورقة الرئيس الحريري الإقتصادية؛ وتربطها بقروض مؤتمر "سيدر"، التي يبدو أنها أصبحت بعيدة المنال، لأن شروطها السياسية والإقتصادية لم تعد قابلة للتطبيق.
تنبه اللبنانيون، خصوصاَ قواهم الأساسية، إلى المرامي الأميركية التي جاء موفدوها إلى لبنان تحضيراً لإشعال الشارع ضد المقاومة، بشعارات خادعة، في حين أن اللبنانيين يحتجون على النهج الضرائبي والريعية الإقتصادية والمالية التي تعتمدها حكومات
سعد الحريري، التي تشكل إستمراراً لسياسة الحريرية السياسية منذ أن تسلمت رئاسة الحكومة عام 1992، فأغرقت لبنان بالديون الداخلية والخارجية وأهدرت المال العام في الصرف وفي تنفيع المتعهدين والمحاسيب، حتى بات الهدر وسرقة مال الدولة والتعدي على أملاكها، أمراً يحدث "على عينك يا تاجر"، دون مراعاة لقانون أو لمشاعر شعب افقره تغلب منطق الإستثمار لدى رجال الحكم، على منطق رجال الدولة.
حاولت أدوات المؤامرة، تحت ستار هائل من الشتائم والضجيج، دفع بيئة المقاومة إلى صدام داخلي، يقتصر عليها وحدها. وانكشفت لعبتهم بتجنبهم إستهداف رؤوس الفساد ورموزه في شتى المناطق ولو بوردة وليس بشتيمة. وانكشف غبار الضجيج عن إنخراط كبار الفاسدين في "الثورة" على الفساد. وأي ثورة هذه التي يقودها سمير جعجع؛ ويباركها وليد جنبلاط ولا يدينها سعد الحريري؛ ويمول حراكها الشمالي نجيب ميقاتي وأشرف ريفي وغيرهم من الشخصيات التي لا يحوم الفساد حولها، بل يسكن فيها.
وعندما بدأ إنفضاض اللبنانيين عن هذا الحراك، بعد دعوة قائد المقاومة جمهورها لمغادرة الساحات، بدأ الخاسرون لعبة قطع الطرق لسجن اللبنانيين داخل بيوتهم وأحيائهم السكنية وإجبارهم، بالتالي، على الإنضمام للحراك. وكان صراخ وسعار ناشطيهم يملأ شاشات الفضائيات في تهديد اللبنانيين "لينضموا إلينا". وعندما بادر شبان بعض الأحياء والمناطق إلى طرد قاطعي الطرق وإخلاء ساحاتهم في وقت قياسي، بادر رئيس الحكومة سعد الحريري إلى الإستقالة لإنعاش هذا الحراك، الذي من المفترض أنه يستهدفه ولو في الشكل، بالدرجة الأولى.
وعندما بدأ الجيش فتح الطرق المقفلة، تحت ضغط أكثرية اللبنانيين، عمدت ميليشياتهم، التي سبق لها أن نهبت أموال اللبنانيين بالخوات على الحواجز وبضرائب الحماية وغيرها، إلى التهديد بالإستعانة ب"الإسرائيلي" ليحميها. هكذا وبكل وقاحة. في حين كان رجال دين، في بعض المناطق، يتولون جهارا نهاراً إقفال طرق ومن أبرزها طريق بيروت- دمشق.
وفي محاولة لحفظ ماء وجوههم وإبقاء سيطرتهم على ساحاتهم، التي شح الحضور الشعبي فيها، عمدوا إلى التعدي على مستقبل طلاب المدارس والثانويات والجامعات، فحرضوا على خروجهم إلى الشارع. وأقفلوا الأبواب في وجه من أراد دخول صفه. لكن وكما يقال "لا يصح إلّا الصحيح" ومقابل تراجع وجود ودور الذين إنكشف تآمرهم، زاد حضور ودور المخلصين لصوت ومعاناة اللبنانيين. وبدأت الحشود تقصد مكامن الفساد ورموزه وأماكن المفاسد: من مصرف لبنان، إلى "زيتونة بي". ومن " إيدن باي" إلى منزل فؤاد السنيورة ونهاد المشنوق وكازينو لبنان وغيرهم. في مواكبة لتصحيح المسار السياسي للمشاورات الرامية إلى تشكيل حكومة تخلف سابقتها. فمنذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها الحريري الإستقالة وصعد إلى بعبدا، كانت أجواء القصر الرئاسي تستذكر مماطلة الحريري أشهراَ عدة لتأليف الحكومة السابقة، ريثما يفرض شروطه، فكان القرار الذي بات معروفاً بربط التأليف بالتكليف، طالما أن لا سقف قانونياً لآي منهما. هذا من جهة. ومن جهة ثانية، هو أسلوب جديد في التعامل إبتكره "جبل بعبدا" تجاه الذي هرب من السفينة عندما رآها تغرق، مع أن من المفترض أنه قبطانها.