أقلام الثبات
وهكذا وفي الاسبوع الثالث دخل لبنان مرحلة هامة من مراحل الثورات الملونة، ولمن لا يعرف "الثورات الملونة" يكفي ان يقرأ عن ثورات صربيا وأوكرانيا وجورجيا وغيرها...
أهم من كَتَبَ - أو بالاحرى علّم- كيفية صياغة هذه الثورات كان الأميركي جين شارب، في كتبه حول اللاعنف، وخصوصا في كتابه "من الديكتاتورية إلى الديمقراطية" الذي يعدّ المرجع لجميع الثورات السلمية في العالم، والذي ابتدع فيه وفي غيره من الكتب 198 وسيلة على الثوار استخدامها في ثورتهم اللاعنفية.
ومن بين أشهر الذين كتبوا في موضوع " الثورات الملوّنة " سفير الولايات المتّحدة الأميركيّة في روسيا مايكل ماكفويل Mcfaul، ( غادر منصبه عام 2014) ونستعرض بعض كتبه حول خصائص تلك الثورات الملوّنة، وبالأخص ما تمّ تطبيقه في لبنان:
- تنتج عن رفضٍ عامٍّ من الشعب للقائمين على النّظام السياسيّ ولسياستهم يستتبعه شعورهم بالحاجة إلى تغيير هذه الوجوه وهذه السّياسات.
– تقوم كردّة فعلٍ على الفساد المستشري في مؤسسات الدّولة متوازية مع تحرّك المجتمع "المدنيّ" والوسائل الإعلاميّة.
– تتميّز بكونها احتجاجات واسعة في الشوارع والميادين غالبًا ما تكون مليونيّة، تتّسم بالتّنظيم الشديد والغضب إلّا أنّها في الآن عينه تستخدم الطّرق السلميّة للتعبير عن آرائها.
– ترفض أثناءها قوّات الأمن والجيش التعامل بالشدّة مع المتظاهرين بدافع ذاتيّ أو مصلحيّ، تنأى بنفسها فلا تقف مع طرفٍ على حساب آخر بل تنتظر من ينتصر.
وبعد تكرر استخدام هذه الوسيلة للتغيير السياسي ونقل البلاد من من ضفة سياسية الى أخرى، حيث تحولت الدول المستهدفة بالثورات الملونة من النفوذ الروسي الى السير في الفلك الأميركي، بدأت الحكومات المستهدفة تغيّر من مقارباتها للمواجهة.
لقد تبين في روسيا، وآسيا الوسطى وأوروبا الشرقيّة أن المشاركين في التظاهرات تلقّوا دعمًا مادّيًّا، يتفاوت بين قبض الأموال مباشرةً قبل التظاهر إلى توفير وجبات الطّعام والشّراب كما والأعلام، كذلك الشارات الملوّنة وخيام المبيت؛ فتعلمت تلك الدول ان لا تواجه "الثوار" بالسلاح، ولا الغازات المسيّلة للدموع، فتبدو للعالم المترقّب والصحافة العالمية على أنّها أنظمة ديكتاتورية، بل استخدمت نفس الوسائل التي استخدمها ممولو تلك الثورات ومنظموها.
وهكذا، يدّل التاريخ ان فشل تلك الثورات في تكوين "الصدمة" المطلوبة لتأمين انتقال سياسي من محور الى آخر، عادة ما يدفع الممولين الى الانتقال من "السلمية" الى استراتيجية "الدم المطلوب لتشكيل صدمة" (وهو ما حصل في كل من فنزويلا ومصر وأوكرانيا وإيران) حيث يقوم بعض القناصة أو أفراد يلبسون لباسًا عسكريًا حكوميًا بالاعتداء على المتظاهرين السلميين لتحريض الرأي العام ضد النظام، ولكسب التعاطف الذي لم يحصل لأن الحاكم لم ينجرّ للعنف.
وهكذا، وبالرغم من مطالب الناس المحقة والتي تشبه الى حدّ بعيد مطالب الناس في كل الدول النامية، إلا أن نتائج تلك الثورات لم تأتِ - ولا مرة - لصالح الناس المقهورين، بل ان ممولي تلك الثورات وداعميها والمحرضين عليها لطالما كانت أهدافهم أبعد من مكافحة الفساد ومعالجة الازمات الاقتصادية، بل هدفها سياسي بحت، وبالاخص سياسي يتعلق بالسياسة الخارجية للدولة وانتقالها من محور الى محور آخر.
وعليه، فإن المراقب يدرك ان من سرقوا صيحات الناس في لبنان اليوم، يريدون الانقلاب على نتيجة الانتخابات النيابية التي أتت لصالح محور ضد آخر، والانقلاب على التسوية ، وأخذ لبنان الى محور يعادي سورية ويمتنع عن الدعوة الى عودتها الى الجامعة العربية ويمتنع عن إعادة اللاجئين إلا من ضمن الحل السياسي لاستخدامهم ورقة في ملف التفاوض الاخير، فما هي خطتهم القادمة بعد فشل المرحلة الاولى في تشكيل الصدمة الملائمة للانتقال الى الضفة الأخرى؟.