الثبات - مقالات فكرية
"علامات علماء الآخرة الصادقين"
في زمن كثر في الأدعياء والمنافقون والمتسلقون باسم الدين ولباس العلماء يبين الشيخ في هذا المقال علامات تبين الفروق بين علماء الآخرة الصادقين وبين الأدعياء المنافقين، وذلك من خلال ذكر ضوابط ذكرها الأمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين.
علامات علماء الآخرة عند الإمام الغزالي:
الأولى: أنْ لا يَطْلُبَ الدنيا بِعِلْمِهِ
وذلك على المفهومِ الشاملِ في الْمَظْهَرِ والجوهر، فلا يكون عنده رغبةٌ في مالٍ أو شُهرةٍ أو شَهْوةِ كلامٍ، أو حِرْصِ التَّقدُّمِ على أحدٍ مِنْ أَقرانِه ويَتَحَقَّقُ ذلك بأنْ يعلمَ أنَّ الدنيا والآخرة كالمشرق والمغرب لا يلتقيان مهما تقاربا، وذلك للعِلْمِ بأنَّ في حُبِّ الدنيا موتَ القلبِ وذهابَ بَهاءِ العِلم والحكمةِ، ومَنْ مات قلبُه غابَ نفعُه وعَظُم فُجورُه وكَثُرَ لَغَطُهُ، وكبُرَ مَقْتَاً اختيارُه، وانْتَشَرَ في الناسِ غَلَطُه.
الثانية: أنْ لا يُخالِفَ فعلُه قولَه
ولا يأمُرَ بِشيءٍ إلا وقد سَبَقَ إلى تَطْبيقِه مُسْتحْضِراً بيانَ الله تعالى: {كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}، وما ورد مِنْ أخبارِ الأَنبياء على نبينا وعليهم الصلاة والسلام أنَّ اللهَ تعالى قالَ لسيدنا عيسى عليه السلام : "يا ابنَ مريمَ عِظْ نَفْسَك، فإنِ اتَّعَظْتَ فعِظِ الناسَ وإلا فاستَحْي مني" وماورد عن الحبيبِ الأعظمِ صلى الله عليه وسلم فيما أخرجَه ابنُ حبان قال : "مَرَرْتُ ليلةَ أُسْرِيَ بي بأقوامٍ تُقْرَضُ شِفاهُهُم بمقاريضَ مِنْ نار , فقلت : مَنْ أَنتم ؟" فقالوا : كُنَّا نَأْمُرُ بالخَيْرِ ولا نأتيه، ونَنْهَى عن الشَّرِّ ونأتيه".
وفي الدارمي موقوفاً على معاذِ بن جبل بسند صحيح : "كنَّا نَدْرُسُ العِلْمَ في مسجدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال : تعلَّموا ما شئتُم أنْ تعلموا، فَلَنْ يأْجُرَكُمُ اللهُ حتى تَعْمَلُوا".
قال مالك بن دينار: إنَّ العالِمَ إذا لم يَعْمَلْ بِعِلْمِه زلَّتْ مَوْعِظَتُه عن القلوبِ كما يَزِلُّ القَطْرُ عن الصفا.
الثالثة: أنْ يكونَ بالغُ عنايتِه في عِلْمِ الآخرة
وهو العلم الْمُرَغِّب بالطاعات مع اجتنابِه قليلَ النفعِ من العلومِ لاسيما ما يَفْتَحُ بابَ الجدَلِ والقيلَ والقالَ تلك التي لا يُحتاج إليها في أكثر الحالات.
الرابعة: بُعْدُه عن التَرَفُّه في الْمَطْعَمِ والْمَشْرَبِ والْمَلْبَس
والمعيارُ في ذلك هو التَّوَسُّطُ في الأكلِ بما لا تَضْعُفُ به القُوى، وفي الملبس بما لا يُسَفَّهُ به عند العقلاء، وفي الْمَرْكَبِ بما يَحْمِلُ الرَّحْلَ ويُريحُ الرِّجْلَ، وفي الْمَسْكَن ما يُواري الساكن ولا يكشفُ عَوَرَ أهلِ بيته.
والخلاصةُ: أنَّ عليه التَّشَبُّهَ بالسَّلفِ الصالحين المقتَدِين برسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ما أَمْكَنَ دون إِفْراطِ ولا تَفْريط ولا إسرافٍ ولا تَقْتِير.
الخامسة: تنزُّهُهُ عن الدخول على السلاطين لِغَرضِه أو هواه
ولا يُخالِطُهم لِكَوْنِ الْمُخالِط لهم قد لا يَخْلُو عن تَكلُّفٍ واستمالَةٍ لقلوبهم، أو طمعٍ في مثلِ مَراتِبِهم، ومَعلومٌ أنَّ الأصلَ الواجبَ والمطلَبَ اللَّازِمَ على كلِّ مَنْ يَدْنُو منهم النُّصحُ وعدمُ الْمُمالَأَةِ، وقد يَضْعُفُ في ذلك، فيَقَعُ في المحظُور ويَحْمِلُ الإِثمَ لاسيما إذا ضَعُفَ عند قبولِ عطائِهم، وعلماءُ الآخرة طريقُهم الاحتياطُ وفي الحديث الذي أخرجه الترمذي وحَسَّنَه: "... ومَنْ أتى السلطانَ افْتَتَنَ"
وعن حذيفة قال : "إياكم ومواقفَ الفِتنن، قيل : وما هي؟ قال: أبوابُ الأُمَراءِ يَدْخُلُ أحدُكم على الأميرِ فَيُصَدِّقُه بالكذب، ويقولُ فيه ما ليس فيه"
قال مكحولٌ الدمشقي رحمه الله تعالى: مَنْ تعلَّمَ القرآنَ وتفَقَّهَ في الدِّين , ثم صَحِبَ السلطانَ تَمَلُّقاً إليه وطَمَعاً فيما لدَيه خاض في بحرِ نارِ جَهَنَّم بَعَدِد خُطاه.
والخلاصة أنهم كانوا يَخْشَوْنَ على أنفسهم مِنَ النِّفاقِ إذا دخلوا على السلطان.
السادسة: الحذر وعدم الإسرلع بالفتيا
والوقوفُ على جادةِ السلامةِ ما وجدَ إلى الخلاصِ سبيلا هذا فضلاً عن واجبِ الوقوفِ عند ما شَكَّ فيه أو لا يَعْلَمُه، فمِنْ باب أولى أنْ لا يُجيبَ بل عليه أنْ يَبْتَدِرَ [لا أدري] يقول ابنُ مسعود رضي الله تعالى عنه: إنَّ الذي يُفْتِي الناسَ في كُلِّ ما يَسْتَفْتُونَه لَمَجْنون، وقال أيضاً: جنةُ العالمِ لا أدري، فإنْ أَخْطَأَها فقد أُصيبَتْ مقاتِلُه ومن اللفتات الواعظة : ما وَردَ عن ابنِ حُصَيْن في أهلِ زمانِه: إنَّ أَحَدَهُمْ لَيُفْتِي في مَسْأَلةٍ لو وردتْ على عمرَ بنِ الخطاب رضي الله تعالى عنه لَجَمَعَ لها أهلَ بدر.
السابعة: أنْ يكونَ أكثرُ اهتمامِه بِعْلِم الباطنِ
الذي هو العِلْمُ باللهِ تعالى الدالُّ على اللهِ تعالى الشاهدُ بالتوحيد له سبحانَه مِنْ عِلْمِ الإيمان واليقينِ وعلْمِ المعرفةِ والمعاملَةِ المترجِمَةِ لِصِدْق مُراقبةِ القلبِ ومَعْرِفَةِ طريقِ الآخرةِ، ذلك العلم الذي لا تَفِي به الكتبُ، بل المجاهدةُ للنفسِ، ومُباشَرَةُ الأعمالِ الظاهرةِ والباطنةِ، والجلوسُ مع اللهِ تعالى في الخَلْوَةِ مع حُضورِ القلبِ بصافي الفِكرةِ والانقطاعِ إلى اللهِ تعالى عما سواه، فَكَمْ مِنْ مَعانٍ دقيقةٍ مِن أَسْرارِ القرآنِ تَخْطُرُ على قَلْبِ المتجرِّدين للذكْر والفِكْرِ تَخْلُو عنها كتبُ التفاسير، وإذا انْكَشَفَ ذلك للمُريد الْمُراقِبِ لربِّه وعُرِضَ على المفسِّرين اسْتَحْسَنُوه وعَلِمُوا أنَّ ذلك مِنْ تَنْبيهاتِ القلوبِ الزَّكِيَّة والواردات الإلهية. وذلك هو مِفتاحُ القُربِ الذي يُثْمِرُ حُبَّاً إِلهياً خالصاً.
فكَمْ مِن مُتَعلِّمٍ طالَ تَعَلُّمُهُ ولم يقدِرْ على مجاوزة مَسْمُوعِه بِكلِمة، وكم مِنْ مُقتصرٍ على الْمُهِمِّ في التعلُّم، ومتوفِّرٍ على العمل ومراقبةِ القلب فَتَحَ اللهُ له مِنْ لطائفِ الحِكمةِ ما تحارُ فيه عقولُ ذوي الأَلباب وفي الأثر الذي أخرجه أبو نُعيم؛ "مَنْ عَمِلَ بما عَلِمَ أَوْرَثَهُ اللهُ عِلْمَ مالمْ يَعْلَم" يقول الربانيون: وبارك له في عِلْمِهِ حتى يُدْخِلَهُ الجنة.
وقال سيدنا عليٌّ كرم الله وجهه: القلوبُ أوعيةٌ وخَيْرُها أَوْعاهَا لِلخَير.
الثامنة: أنْ يكونَ شديدَ العِناية بتقويةِ اليَقين
الذي هو العِلْم الذي لا يَتداخَلُ صاحبَه ريبٌ وذلك بِغَلَبَتِه على العقلِ حتى قال الإمامُ الجُنيد في تعريفِه: هو استقرارُ العِلْمِ الذي لا يَتَحَوَّلُ ولا يَتَغَيَّرُ في القلب. لذا كان رأسَ مالِ الدِّين وفي الحديث الذي رواه البيهقي والخطيب بإسناد حَسن: "اليقينُ الإيمانُ كُلُّه" وقد عُرِفَ دليلُ صحَّتِه عند صاحبِه برفع الهمَّة عن الخلق عند الحاجة، وتركِ الْمَدْحِ لهم في العَطِيَّة، والتَّنَزُّهِ عن ذَمِّهِمْ عند الْمَنْعَة كما أشار سيدي ابنُ عجيبة.
فاليقينُ أصلٌ وأساسٌ في كلِّ بابٍ من أبوابِ التوحيدِ، وآيةٌ على ثمراتِها اليانعةِ لاسيما رؤيةُ الأشياءِ كلِّها أنَّها مِنْ مُسَبِّبِ الأسبابِ دون الِتفاتٍ إلى الوسائطِ مَنْعاً أو عَطاءً مع الثقةِ الْمُطْلَقَةِ بضمانِ اللهِ تعالى الرِّزْقَ، ورؤيةِ الحكمةِ الإلهيةِ على العمومِ والشمولِ، مع المحافظةِ على صُنوفِ الطاعاتِ قليلِها وكثيرِها، واجتنابِ المعاصي مُطلَقاً قليلِها وكثيرِها، ثم التَّحَقُّقِ بأنَّ اللهَ تعالى مطَّلِعٌ عليه، كلُّ ذلك مع دوامِ يقظتِه نَفَسَاً بعدَ نَفَس.
التاسعة: أنْ يكونَ حزيناً مُنْكَسِراً مُطْرِقاً صامِتاً ظاهراً أَثَرُ الخشية عليه
الْمُذَكِّرُ باللهِ تعالى غيرَ مُتَهافِتٍ في الكلامِ والتَّشَدُّقِ والاستغراقِ في الضحكِ والحِدَّةِ في الحركةِ والنُطْقِ لكونِ ذلك مِنْ آثارِ البَطَرِ والأَمْنِ والغفلةِ عن عظيمِ عقابِ الله تعالى.
قال سيدنا علي كرم الله وجهه: إذا سمعتُمُ العِلْمَ فاكْظِمُوا عليه، ولا تَخْلِطُوه بِهَزْلٍ فَتَمُجَّهُ القلوب.
ثم إنَّ التمامَ في التلقِّي والأداءِ على تَقَابُل هذه الضوابِطِ ما نَبَّهَ إليه المربُّون بقولِهم : إذا جمعَ الْمُعلِّمُ ثلاثاً تَمَّتِ النِّعمةُ بها على الْمُتَعلِّم: الصبرَ، والتواضُعَ، وحُسْنَ الخُلُق، وإذا جَمَعَ المتعلِّمُ ثلاثاً تَمَّتِ النِّعْمةُ بها على الْمُعلِّم: العقلَ، والأدبَ، وحسْنَ الفهم]
قال سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه: تعلَّموا العلم، وتعلَّموا لِلْعِلْمِ السكينةَ والوَقارَ والحِلْمَ وتواضعُوا لِمَنْ تتعلَّمون منه، ولْيَتَواضَعْ لَكُم مَنْ يَتَعَلَّمُ منكُم، ولا تكونوا مِنْ جبابرةِ العلماء فلا يقومُ عِلْمُكُم بِجهلِكُم.
وفي الأثر : "مَنْ آتاه اللهُ عِلْماً وزُهْداً وتواضُعاً وحُسْنَ خلُقٍ فهو إمامُ الْمُتَّقِين"
والعلامةُ الفارقةُ في ذلك كُلِّهِ: نورٌ يُقْذَفُ في القلبِ يُفْرِزُ أَجلَى علاماتِ عُلماءِ الآخرةِ كما قال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الحاكم والبيهقي عن ابن مسعود: تلا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (َفَمَنْ يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ) فقيل له : ما هذا الشرحُ ؟ فقال: (إنَّ النُّورَ إذا قُذِفَ في القلْبِ انْشَرَحَ له الصدرُ وانْفَسَحَ)
قيل : فهل لذلك من علامة ؟
قال صلى الله عليه وسلم: "نعم! التَّجافي عن دارِ الغُرور، والإنابةُ إلى دارِ الخُلود، والاستعدادُ للموتِ قبلَ نُزولِه".
العاشرة: أنْ يكونَ أكثرُ بَحْثِه عن عِلْمِ الأعمالِ
وعما يُفْسِدُها ويُشَوِّشُ القلوبَ، ويُهيِّجُ الوسواسَ، ويُثيرُ الشَّرَّ، فإنَّ أَصْلَ الدِّينِ التَّوَقِّي مِنَ الشرِّ، فأقرَبُها وأَعْلاها الْمُواظبةُ على ذكْرِ اللهِ تعالى بالقلبِ واللِّسان، والشأنُ كلُّ الشأنِ مَعْرِفَةُ ما يُفسِدُها ويُشَوِّشُها، قيل للحسن: إنَّك تَتَكَلَّمُ بكلامٍ لا يُسْمَعُ مِنْ غيرِك، فَمِنْ أينَ أخَذْتَه؟ قال: مِنْ حُذَيْفَةَ بنِ اليَمان. وقيل لحذيفةَ: نَراكَ تَتَكَلَّمُ بكلامٍ لا يُسْمَعُ من غيرِك فمِن أينَ أخَذْتَه ؟ قال : خَصَّني به رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان الناسُ يسألُونَه عن الخير , وكنت أسألُهُ عن الشَّرِّ مخافةَ أنْ أقعَ فيه، وعَلِمْتُ أنَّ الخيرَ لا يَسْبِقُني عِلْمُه، وقال رضي الله تعالى عنه: فعلِمْتُ أنَّ مَنْ لا يَعْرِف الشَّرَّ لا يَعْرِف الخيرَ.
حادي عشر: أنْ يكونَ اعتمادُه في أَخْذِ العلومِ على بصيرتِه
بضياءِ قلبِه الْمُنَوَّرِ بنورِ القدس وسلامةِ العقيدة مُتَحَقِّقاً بأنَّ الْمُقَلَّدَ الأصلَ إنما هو رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يأخُذُ عنه كلُّ مَنْ تَوفَّرتْ فيه أهليَّةُ النظَرِ والاجتهادِ مُوصِلاً المفهومَ السليمَ إلى كُلِّ مُبْتَدِئٍ في الطلَب وسالكٍ سبيلَ الأرب، لا يقالُ مثلُه لِلقاصِر كما أشار الإمامُ أبو طالب المكي في كتابِه القُوتِ بقولِه :وهذا العالِمُ الذي هو مِن أهلِ الاستنباطِ والاستدلالِ مِن الكتابِ والسُّنة , فأمَّا الجاهلُ والعامِّيُّ الغافلُ فلَه أنْ يُقلِّدَ العلماءَ , ولِعالِم العُمومِ أيضاً أنْ يُقَلِّدَ عالمَ خُصوصٍ , ولِلعالِمِ بالعلْمِ الظاهر أنْ يقلِّدَ مَنْ فوقَهُ ممَّن حَمَلَ عن علمٍ باطنٍ من القلوب.
ولذلك كان يقال في زمن السَّلَفِ : فلانٌ مِنْ أوعيةِ العلم، ولا يُسمى عالماً إذا كانَ شأنُهُ الحفظَ مِنْ غيرِ اطِّلاعٍ على الحِكَمِ والأَسْرار، ذلك أنَّ مَنْ كُشِفَ عن قَلْبِه الغِطاءُ واستنارَ بِنُورِ الهدايةِ صار في نفسِه مَتبوعاً مُقَلَّداً لأنَّ الفقيهَ في العلماء هو الفقيهُ بِفِقْهِ عِلْمِهِ وقلبِه لا بحديث سواه، ومَثَلُ العالم بِعِلْمِ غيرِه مَثَلُ الواصفِ لأَحْوالِ الصالحين العارفِ بمقاماتِ الصدِّيقين والمقرَّبين، ولا حالَ ولا مقامَ، فليس يعودُ عليه مِنْ وَصْفِه إلا الْمَحَجَّةُ بالأعمالِ والمقام.
ثاني عشر: أنْ يكونَ شديدَ التَّوقِّي مِنْ مُحدثاتِ الأمور
المخالِفة لما كان عليه رسول ُالله صلى الله عليه وسلم وأصحابُه رضي الله تعالى عنهم ، وذلك بمعرفةِ أحوالِهم وسيرتِهم وأعمالِهم الْمُرْتَبِطَة بشؤونِ الآخرة ومفاتيحِها مِنْ الحزم، والمجاهدةِ، والتَّفَكُّرِ، ومُراقبةِ الظاهرِ والباطنِ، واجتنابِ دقيقِ الإثمِ وجليلِه، والحرصِ على ادراكِ خفايا شهواتِ النفوسِ ومكايدِ الشيطانِ , وذلك لِبُلوغِ الورعِ في الْمَكاسِبِ والْمُعامَلات، وإدراكِ الفرْقِ بين نفاقِ العلمِ والعملِ، والفرْقِ بين خواطِرِ الروحِ والنَّفْسِ، وبين خاطرِ الإيمانِ واليَقينِ والعقلِ، وتفاوتِ مُشاهَداتِ العارفين وعِلْمِ القَبْضِ والبَسْطِ وغيرِها مِنْ علومِ الآخرةِ تلك التي تُسْتَفْتَحُ بمَضْمُون ماورد في الخبر: "طوبى لمِنَ ْشَغَلَهُ عَيْبُه عن عيوبِ الناسِ، وأَنْفَقَ الفَضْلَ مِنْ مالِه، وأَمْسَك الفَضْلَ مِنْ قولِه وَوَسِعَتْهُ السُّنَّةُ، ولم يُعِدْها إلى بِدْعَة" .
ختاماً:
قال الإمامُ الغزاليُّ عليه الرحمةُ والرضوان: فهذه اثنتا عَشْرَةَ علامةً مِنْ علاماتِ علماءِ الآخرةِ تَجْمَعُ كلُّ واحدةٍ منها جُمْلةً مِنْ أَخْلاقِ علماءِ السَّلَف، فَكُنْ أحدَ رجُلَيْن إمَّا مُتَّصِفاً بهذه الصفات، أو مُعْتَرفاً بالتقصير مع الإِقْرارِ به، وإيَّاك أنْ تكونَ الثالثَ _أي لا مُتَّصِفاً ولا مُعْتَرفاً بل مُنْكِراً_ فَتُلَبِّسَ على نفسِك بأنْ تُبَدِّل َآلةَ الدنيا بالدِّين، وتُشَبِّه سيرةَ البطَّالين بسيرةِ العلماءِ الرَّاسِخين، وتَلْتَحِقَ بِجَهْلِكَ وإِنْكارِك بِزُمْرَةِ الهالكين الآيِسين نعوذُ باللهِ مِنْ خِدَعِ الشَّيطانِ فَنَسْألُ اللهَ تعالى أنْ يجعلَنا مِمَّنْ لا تَغُرُّه الحياة الدنيا ولا يَغُرُّهُ باللهِ الغَرور.
مقالة لفضيلة الشيخ محمد الفحام
خطيب مسجد الشيخ محي الدين بن عربي - دمشق