الثبات - اسلاميات
اسم الله "الرحمن"
اسم الرحمن من أسماء الله تعالى الدال على اتصاف الله سبحانه وتعالى بصفة الرحمة، فالرحمن اسم يدل على سعة رحمة الله بعباده، فالرحمن: هو الله ذو الرحمة الواسعة.
ومن خصائص هذا الاسم أنَّه لا يجوز لأحد أن يُلَقب نفسه به فيقول: أنا رحمن، وإن جاز له أن يلقب نفسه بغيره من الأسماء فيزعم أنَّه رحيم أو كريم أو حليم.
وقد تجرأ واحد من أسلاف العرب وأسوئهم طبعاً وسمى نفسه بالرحمن وهو مسيلمة الكذاب، فشاع بين الأعراب أنَّه رحمن اليمامة، فلقبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالكذاب، ولعنه الله وطرده من رحمته، وقتله بأيدي المسلمين في اليمامة.
وعدّ بعض العلماء هذا الاسم اسم الله الأعظم لقوله تعالى: {قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَانَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}.
وقد قال بعضهم اسم الله الأعظم متعلق بكل مؤمن، فالمؤمن الفقير اسم الله الأعظم بالنسبة إليه المغني، والمؤمن المريض اسم الله الأعظم بالنسبة إليه أمَّا إذا قلنا الله جلّ جلاله هو الرحمن، الرحمن اسم يختص بالله عز وجل، والرحمن سبحانه هو المتصف بالرحمة العامة الشاملة، حيث الخلق كلهم عباده، يرزقهم، ويهديهم سبلهم، ويمهلهم فيما استخلفهم وخولهم، ويسترعيهم في أرضه، ويستأمنهم في ملكه، ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، وإنَّ رحمة الله في الدنيا وسعتهم جميعاً، الله يرحم المؤمن وغير المؤمن، أي يطعمهم، ويسقيهم، ويحفظهم، والرحمة تشمل المؤمنين والكافرين، للتقريب أب عنده أولاد واحد منهم بار والآخر عاق لكنه يطعمهم جميعاً.
الله جلّ جلاله رحيم سبقت رحمته غضبه:
الرحمة تفتح باب الرجاء والأمل، وتثير ممكنون الفطر، وتبعث على صالح العمل، وتدفع أبواب الخوف والنقمة، وتشعر الشخص بالمن والأمان، الله رحمن، والله جل جلاله سبقت رحمته غضبه، ولم يجعل من واسع رحمته إلا جزءاً يسيراً، يعني الله عز وجل يقول: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} جاءت الرحمة نكرة، تنكير تقليل، والنبي عليه الصلاة والسلام أرحم الخلق بالخلق، فكيف برحمة الله الواسعة.
الله جلّ جلاله فوق الخلائق أجمعين سواء أكانوا مؤمنين أو كافرين، حياتهم قائمة بإذنه، أرزاقهم مكنونة في غيبه، بقاؤهم رهن مشيئته وأمره، وأنَّه لا حول ولا قوة لهم إلا بقوته وحوله، فهو الملك وهو الرحمن الذي استوى على عرشه، ودبر أمر الخلائق في ملكه، فلا يستغني عنه في الحقيقة مؤمن ولا كافر، قــال تعــالى: {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً}.
مَن تأمَّل اسم الرحمن أثمر ذلك في قلبه أموراً عظيمة منها:
أولاً: الحب
فقد جبلَتِ النُّفوس على حبِّ مَن أحسن إليها، وكيف لا يحبُّ الإنسانُ مَن أفاض عليه رحمتَه وعطفه، ومنَّته وفضله، ومَن هو أرحم به من أمِّه؟ جاء في الصَّحيح أنه قدِم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبيٍ، فإذا امرأة من السبي تَبتغي إذا وجدَت صبيّاً في السَّبي أخذَتْه فألصقَتْه ببطنها وأرضعَتْه، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أترون هذه المرأة طارحةً ولدها في النَّار؟، قالوا: لا واللهِ وهي تقدر على أن لا تطرَحه، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: لَله أرحَمُ بعباده من هذه بولدها".
ثالثاً: الرجاء وحسن الظن بالله
قال العزُّ بن عبدالسلام: من عرف سعةَ رحمة الله كان حاله الرَّجاء، وجاء في الحديث الصَّحيح: "قال الله تعالى: أنا عند ظنِّ عبدي بي".
وإنَّ من حُسن الظنِّ بالله أن نرى البلاءَ رحمة ونِعمة، فكم من مِحنة محَّصَتِ الذُّنوبَ ونبَّهتْ من الغفلة وذكَّرت بالنِّعمة وكم من مِحنة أصبحَتْ محنة؛ أعادَتْ إلى الله، وأنقذت من شرك الشيطان.
إذا سرَّ بالسراء عمَّ سرورها ... وإن مسَّ بالضراء أعقَبَها الأجرُ
وما منهما إلَّا له فيه نعمة ... تضيق بها الأوهام والبَرُّ والبحر
رابعاً: رحمة الخلق
ومَن استشعر رحمةَ الله تعالى وشاهَد ذلك بقلبٍ صادقٍ أفاض على قلبه رحمةَ الخلق؛ ولذا كان النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم أرحمَ الخَلْق بالخلق، وسمَّاه ربه رحيماً فقال تعالى: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}.
وقد أبصر الأقرعُ بن حابِس النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم يقبِّل الحسَنَ، فقال: إنَّ لي عشرةً من الولد ما قبَّلتُ واحداً منهم، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّه مَن لا يَرحم لا يُرحم".
ولما قدِم ناسٌ من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالوا: أتقبِّلون صبيانَكم؟ فقالوا: نعم، فقالوا: لكن واللهِ ما نُقبِّل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "وما أملِك إن كان الله نزَع منكم الرَّحمةَ؟".
ومن الرَّحمة التي تغيب عن كثيرٍ من الأذهان رحمة عمومِ الخلق؛ مسلِمِهم وكافرهم.
وانظر بعينِ الحكمِ وارحمهم بها ... إذ لا تُردُّ مشيئة الدَّيَّانِ
وانظر بعينِ الأمرِ واحملهم على ... أحكامِه فهما إذًا نظرانِ
واجعل لقلبك مقلتَين كلاهما ... من خشية الرَّحمن باكيتانِ
لو شاء ربُّك كنتَ أيضاً مثلهم ... فالقلب بين أصابِع الرَّحمن