الثبات - إسلاميات
عدل النبي مع اليهود
العدل من أعظم الأخلاق ومن الجميل أن يكون الإنسان عادلاً مع أصحابه وأقربائه لكن أن يكون العدل حتى مع المخالف ومن يكيد المكائد ويزرع الفتن فهذا قمة العدل والإنصاف.
اليهودي يلجأ للنبي صلى الله عليه وآله وسلم:
روى أبو سعيد الخدري رضي الله الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالسٌ جاء يهودي :"فقال: يا أبا القاسم، ضرب وجهي رجل من أصحابك! فقال: "مَنْ؟" قال: رجل من الأنصار. قال: "ادْعُوهُ". فقال: "أَضَرَبْتَهُ؟" قال: سمعتُه بالسوق يحلف: والذي اصطفى موسى على البشر. قلتُ: أيْ خبيث! على محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟! فأخذتني غضبة ضربت وجهه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لاَ تُخَيِّرُوا بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ".
وفي هذا الموقف الكثير من المعاني: فاليهودي يتحاكم إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وما ذلك إلاَّ لأنَّه على يقين أنَّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سيُعطيه حقَّه كاملاً، والشكوى في حدِّ ذاتها تدلُّ على أن إيذاء أحد من اليهود هو شيء غريب ومستهجن؛ ومن ثَمَّ جاء اليهودي سريعاً ليشكو هذا الذي ضربه، وعلى الفور سأله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم «مَنْ؟»، فأجابه الرجل: إنه أحد الأنصار. فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يأتوا به لمعرفة ملابسات هذا الأمر.
اليهودي يرفض شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
وهذا هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم يذهب بنفسه -في موقف آخر- إلى أحد اليهود مستشفعاً لجابر بن عبد الله بن حرام رضي الله عنهما، وهو من الصحابة الكرام الذين حضروا بيعة العقبة الثانية في طفولته مع أبيه عبد الله بن حرام رضي الله عنه، وشهد المشاهد كلها ابتداءً من أُحُد أو التي بعدها، يذهب مستمهلاً اليهودي، ليُؤَجِّل سداد الدَّيْن، ولمَّا أبى اليهودي قبول الشفاعة كان لا بُدَّ من السداد، فما دام هناك حقٌّ فلا بُدَّ أن يُردَّ إلى أهله، يروي جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فيقول: كان بالمدينة يهوديٌّ، وكان يسلفني في تمري إلى الجِداد -وكانت لجابرٍ الأرض الَّتي بطريق رومة- فجلستُ، فخلا عاماً، فجاءني اليهوديُّ عند الجِداد، ولم أجدَّ منها شيئاً، فجعلتُ أستنظره إلى قابلٍ فيأبى، فأُخبر بذلك النَّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لأصحابه: "امْشُوا نَسْتَنْظِرْ لِجَابِرٍ مِنَ الْيَهُودِيِّ".
فجاءوني في نخلي، فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يُكلِّم اليهوديَّ، فيقول: أبا القاسم، لا أنظره.
فلمَّا رأى النَّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم ذلك قام فطاف في النخل، ثمَّ جاءه فكلَّمه فأبى، فقمتُ فجئتُ بقليل رطبٍ فوضعته بين يدي النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، فأكل ثمَّ قال: "أَيْنَ عَرِيشُكَ يَا جَابِر؟" فأخبرتُه، فقال: "افْرُشْ لِي فِيهِ". فَفَرَشْتُهُ، فدخل فرقد ثمَّ استيقظ، فجئتُه بقبضةٍ أخرى، فأكل منها ثمَّ قام فكلَّم اليهوديَّ فأبى عليه، فقام في الرِّطاب في النَّخل الثَّانية ثمَّ قال: "يَا جَابِرُ، جُدَّ وَاقْضِ". فوقف في الجداد فجددت منها ما قضيته، وفضل منه، فخرجت حتى جئت النَّبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم فبشَّرته، فقال: "أَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ".
القرآن ينزل يبرأ اليهودي:
وهناك ما حدث عندما سرق رجل من المسلمين من إحدى قبائل الأنصار من بني أُبيرق بن ظفر بن الحارث، وكان هذا الرجل قد سرق درعاً من جارٍ له مسلم يقال له: قتادة بن النعمان، وكانت الدرع في جراب فيه دقيق، فجعل الدقيق ينتثر من خرق في الجراب حتى انتهى إلى الدار، ثم خبأها عند رجل من اليهود يقال له: زيد بن السمين، فالتُمِسَتِ الدرع عند طعمة فحلف بالله ما أخذها، فقال أصحاب الدرع: لقد رأينا أثر الدقيق في داخل داره. فلمَّا حلف تركوه، واتبعوا أثر الدقيق إلى منزل اليهودي، فوجدوا الدرع عنده، فقال اليهودي: دفعها إليَّ طعمة بن أُبيرق! فجاء بنو ظفر -وهم قوم طعمة- إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسألوه أن يجادل عن صاحبهم، فهَمَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يعاقب اليهودي، فأنزل الله عز وجل هذه الآيات من سورة النساء: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً} إلى قوله تعالى: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً}.
لقد اعتقد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ السارق هو اليهودي لوجود القرائن ضدَّه، ولكنَّ الوحي نزل بخلاف ذلك؛ فلم يكتم صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً -وحاشاه- بل قام وأعلن بوضوح وصراحة أنَّ اليهودي بريء، وأنَّ السارق مسلم!
وليس الأمر هَيِّناً!
إنَّ التبرئة تأتي في حقِّ يهودي اجتمع قومه من اليهود على تكذيب الإسلام والكيد له، والطعن في رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وبثِّ الفرقة بين أتباعه ومع ذلك فكلُّ هذه السلبيات والخلفيات لا تُبَرِّر اتهام يهودي بغير حقٍّ.
إنَّ دِيناً هذه أخلاق أتباعه لجديرٌ بالتفكُّر والتدبُّر في شأنه، وإنَّ نفوساً تستطيع أن تقهر كل العوائق لتُوجِد على أرضِ الواقعِ هذه المبادئَ والقيمَ لجديرة بقيادة العالم كله.