الثبات - تصوف
ربما كنت مسيئاً فأراك الإحسانَ منك صحبتُك إلى من هو أسوأ حالاً منك
زيد من الناس مؤمن بالله، يمارس إسلامه إجمالاً: يؤدي فرائضه الخمس، وينهض بالواجبات الأساسية من الدين، ولكنه مقصر في جنب الله عز وجل، منصرف إلى دنياه، منغمس في متعه وأهوائه، يصرف جلّ وقته لمصالحه الدنيوية العاجلة وهو في الوقت ذاته يركن إلى صحبة أناس هم أسوأ حالاً منه، لا يؤدون حتى الفروض الأساسية التي يؤديها هذا الإنسان.
إنَّ من شأن هذه الصحبة أن تخيل إلى زيد أنَّه نموذج للمسلم المستقيم على أوامر ربه، وأنَّه من النخبة الممتازة في المسلمين، وأنَّه يؤدي حقوق الله عليه، كاملة غير منقوصة ولاريب أنَّ هذا الخيال، إذ يستحوذ على صاحبه يجرّه إلى أخطر النتائج وإلى أسوأ الأحوال، إذ ينسيه مظاهر عيوبه وتقصيره في جنب الله.
فالأعور أحسن حالاً من العميان، ولكن العور ليس كمالاً في الأجسام أو صحة في الحواس.
ومن الناس من يقارن جهده المحدود بأعمال أهل البلادة، أو علمه القليل بأفكار أهل الجهالة فيظن نفسه على شيء طائل، وهو في الحقيقة فقير إلى ما يكمل مواهبه ولكنه مخدوع.
إنَّ النظر إلى أدنى حجاب قاطع، أو هو عائق عن الرفعة المنشودة.
وإذا أحببت أن تقارن نفسك بغيرك فلا تنظر إلى أقل الناس في دينهم ثم تقول: أنا أفضل حالاً، بل انظر إلى العلية ثم قل: لماذا أقصر عنهم؟ يجب أن أمضى في الطريق، ومن سار على الدرب وصل.
كثير من الأذكياء وقفهم في منتصف الطريق أو في مبادئه أنهم صحبوا نفراً من القاصرين والعجزة، فغرهم ذلك بأنفسهم وستر عنهم ما كمن فيهم من نقص أو أخفى عنهم ما يطيقونه من درجات الكمال لو نشطوا.
وهذه الصحبة وبال على الإنسان، لأنها قيدت الهمة وشلت الطموح.
إنَّ المطلوب من الإنسان المسلم أياً كان في واقعه ومستواه، أن يتيقظ إلى نقائصه وعيوبه، وأن يتلمس في الناس الذين يريد أن يصطفيهم لصحبته، من يكون عوناً له في الكشف عن عيوبه ومظاهر انحرافه وتقصيره. وإنما يتيسر له العثور على هذه النخبة، عندما يحرص على ألا يصاحب إلاّ من هو أسبق منه في الاصطلاح مع الله، وأكثر التزاماً بأوامر الله. فإن هو تورط فوقع في نقيض ذلك، أعجبته نفسه بحكم النسبية التي تفرض ذاتها عليه، من خلال صحبته لأقرانه الذين هم أسوأ حالاً منه، فلم يجد ما يحفزه إلى النهوض بنفسه نحو أي إصلاح، بل الشأن فيه أن يتراجع شيئاً فشيئاً إلى التغلب وأن تجنح به النفس إلى حال من اللامبالاة.