الثبات - إسلاميات
اسم الله "الظاهر"
ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "إنَّ لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة".
نقف اليوم مع اسم عظيم اسم الله "الظاهر"، قال الله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.
الظاهرِ اسمٌ من أسماء الله تعالى ومعناه: الظاهِرُ فوقَ كلِّ شيء بالقَهْرِ والقُوَّةِ والغَلَبَةِ.
الظاهر: فهو أظهر من كل شيء، كل ما في الكون يدعو إلى الإيمان بالله.
ليس هناك حركة، ولا سكنة في هذا الكون؛ إِلَّا وهي تدل على خالقها، وبارئها، ومبتديها، ومعيدها، سبحانه وتعالى.
(الظاهر) فهو أظهر من الدليل، وعندما أقام أحد العلماء، ألف دليل على وجود الله، قالت إحدى عجائز نيسابور: وهل هناك ألف شك في وجوده؛ حتى نقيم على كل شك دليلاً؟
فقال ذلك العالم: اللهم ارزقني إيماناً كإيمان عجائز نيسابور.
هذه المرأة بفطرتها، رأت في هذا الكون: دليل ظاهر، وعلمت أنَّ الله سبحانه وتعالى، أظهر من هذا الكون في قلبها.
يعني يمكن أن نشككها في المحسوس، ولا يمكن أن نشككها في الله رب العالمين.
هذا معنى أنه: أظهر من هذا الكون، أي وجوده أصبح مغروساً في الفطر السليمة، والعقول المستقيمة؛ بحيث أنَّه لا يحتاج إلى دليل، ولا يحتاج إلى برهان.
بل طبيعة الحياة: من أين جئنا؟ وطبيعة الحياة: إلى أين سنذهب؟
تدل دلالة واضحة من غير إعمال فكر، بل أمر قد غرس في القلوب، وفي الفطر السليمة، تدل عليه سبحانه وتعالى، وتشير إلى أنَّه هو الوجود الحق.
وهذا الوجود كله؛ إنما هو وجود فانٍ، وليس ظاهراً كظهور وجود الله سبحانه وتعالى.
يقول الملحد للمؤمن: أقم الدليل على وجود الله.
فيقول المؤمن للملحد: أقم الدليل على عدم وجوده.
الله موجود؛ لأنَّه موجود، ولأنه خلق هذا الكون.
مع بساطة هذه الكلمات؛ إِلَّا أنها تشتمل فيما وراءها، على شيء كثير من الفلسفة، والحكمة العميقة.
ما الدليل على عدم وجود الله، والكون كله يصرخ بوجوده؟!
من أين نحن؟ كلمة بسيطة؛ ولكن هذا السؤال، مع عدم الإيمان بالله، يحتاج إلى مجهود كبير.
فالظاهر اسم من أسماء الله الحسنى، الذي ليس فوقه شيء، والعالي فوق كل شيء، الظاهر بالقدرة على كل شيء، الغالب القاهر الذي لا يغلبه شيء، كما قال الله تعالى: {فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين} أي غالبين، وهو مشتق من الظُّهور الذي هو ضد الخفاء فيكون معناه الظاهر وجوده لكل شيء بالأدلة العقلية والكونية، فقد خلق الله كل الكائنات والموجودات لتظهر آثار قدرته فيها، وهو سبحانه ظاهر عليها من جميع الجهات: {وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.
ورد في القرآن الكريم مرة واحدة في قوله: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.
في السنة النبوية عن أبي هريرة أنَّ النبي كان يقول: "اللهمَّ ربَّ السماوات ِوربَّ الأرضِ وربَّ العرشِ العظيمِ، ربَّنا وربَّ كلّ شئٍ، فالقَ الحبِّ والنوى، ومنزلَ التوراةِ والإنجيلِ والفرقانِ، أعوذ بك من شرِّ كلِّ شيءٍ أنت آخذٌ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء الظاهر".
قال الإمام ابن الجوزي: "الظاهر بحججه الباهرة، وبراهينه النَّيِّرة، وشواهده الدَّالة على صِحَّة وحدانيته، ويكون: الظاهر فوق كل شيء بقدرته، وقد يكون الظهور بمعنى العلوِّ، ويكون بمعنى الغلبة".
قال الإمام البغوي: "والظاهر الغالب العالي على كل شيء".
قال الإمام السعدي: "والظاهر: يدل على عظمة صفاته واضمحلال كل شيء عند عظمته من ذوات وصفات، ويدل على علوه".
ولَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَالَ:
فيا عَجَباً كَيْفَ يُعْصَى الإِلَهُ ... أَمْ كَيْفَ يَجْحَدُهُ الجَاحِدُ
وفي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ ... تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدُ