أقلام الثبات
في الوقت الذي كانت تُعلِن فيه وكالة الأنباء السعودية رفضَ المملكة لأي واقع جديد قد يُفرَض عليها بالقوَّة في الجنوب على الحدود مع اليمن، وأن أية محاولة تٌمثِّل تهديداً لأمنها ستتعامل معها بكل حزم، اجتازت عشرٌ من المُسيَّرات اليمنية 1200 كلم لتضرب في العمق السعودي موقعين لشركة آرامكو وتُعطِّل على مدى الأسابيع والأشهر المقبلة نصف إنتاج أكبر دولة نفطية في العالم.
الذهول يسود الشارع السعودي، والهلع حلّ مكان الإسترخاء الذي تعيشه المناطق البعيدة عن نجران وجيزان وعسير، وباتت الصواريخ والمُسيَّرات اليمنية لا تقضُّ مضاجع السعوديين فحسب، بل تٌهدِّد لقمة عيشهم المُترَف، لأن توقف أكبر مواقع إنتاج النفط عن العمل، يُشكِّل بداية الإرتدادات للإجرام الوهابي في اليمن والعراق وسوريا، ونهاية لِمسَارات العمالة التي تحكُم العرش السعودي وبعض العروش الخليجية التابعة لأميركا.
وإذا كانت بضع مُسيَّرات قد شلَّت نصف إقتصاد مملكة بمستوى السعودية، فلا أهمية بعد هذه الضربة لتحليلات دونالد ترامب أن إيران كانت خلفها، ولا أن المُسيَّرات انطلقت من العراق، لأن الرسالة اليمنية قد وصلت الى كل عملاء أميركا في الخليج والى إسرائيل أيضاً، واعترف محللون سعوديون وكويتيون، أن كل سيناريوهات الردود اليمنية كانت متوقَّعة في الجنوب السعودي مع صاروخ من هنا أو هناك على الداخل، لكن أن تُضرب آرامكو التي هي أكبر شركة إنتاج نفط وكهرباء وتحلية مياه في العالم، وتعتبر درة التاج السعودي، فهذا يستوجب إعادة نظر بكل المغامرات الفاشلة للمملكة السعودية في اليمن، لا بل، على هذه المملكة أيضاً أن تحسِب جيداً تداعيات أية مغامرة بمواجهة إيران بعد التجربة القاسية مع اليمن، وقد اعترف ناشط سياسي سعودي يعيش في الخارج بقوله: "لو عَطَست إيران فبإمكانها تدمير المملكة"
وإذا كانت السعودية باتت مُلزمَة بتغيير مسار عدوانيتها بعد النكسات المعنوية والمادية التي تلقَّتها نتيجة الضربات اليمنية، فإن الإمارات الغارقة في مستنقع اليمن الجنوبي، والذي انسحبت منه شكلياً تاركة خلفها ميليشيات مأجورة، قد تلقَّت منذ ساعات تهديدات من مسؤول عسكري يمني رفيع عبر قناة الميادين، بوجوب الإعلان رسمياً عن انسحابها من تحالف العدوان على اليمن كي لا تلقى مصير السعودية، والإنسحاب الإماراتي بات على قاب قوسين أو أدنى، لأن إمارة مثل دبي تعتمد في اقتصادها على جذب الإستثمارات لا تحتمل سقوط صاروخ يمني واحد عليها.
بيت القصيد نبلغ به مصير أنظمة خليجية، باتت مهدَّدة بديمومتها من شعبٍ يمني يُقاتل حافي القدمين دفاعاً عن كرامته، ولن تُنقِذها وعود دونالد ترامب بحمايتها عسكرياً بعد ضربة آرامكو، لأن اقتصادات هذه الأنظمة قائمة ليس فقط على النفط، بل على إستثمارات خارجية تبحث عن أمن داخلي كان متوفراً في دول خليجية لم تعُد آمنة اليوم حتى لمواطنيها، ولن تعيش الأمان قبل أن تدفع كل أثمان عدوانها الإقليمي من اليمن الى سوريا، ومحور المقاومة بات بكامل الجهوزية لمواجهة أية حماقة أميركية – خليجية – إسرائيلية، بصواريخ يصل مداها الى ألفي كيلومتر كما صرَّح مسؤول عسكري إيراني في حديثه عن قُدرات المواجهة....