أقلام الثبات
هي الحقائق التاريخية عبر قرون، استنسخت يزيد بن معاوية إنموذجاً للظلم، ولم يعُد حكراً على دينٍ ومذهب، والحقائق نفسها، هي التي جعلت من الحُسين عليه السلام رمزاً لثورات الحق حتى الشهادة لِبترِ يدِ الظالم كائناً مَن كان، سواء كان "يزيد" حاملاً سيف البطش، أو بلغَ عصر ركوب الطائرات، او ممارسة إجرامه عبر المُسيَّرات التي أُسقِطَت إحداها يوم أمس فوق الجنوب اللبناني الصامد بقبضات المُقاومين، هذه القبضات التي كانت بعضها تضرب الصدور إحياءً لذكرى عاشوراء، وبعضها الآخر على أزرار إطلاق الصواريخ لإذلال يزيد اليهودي في التاسع من مُحرَّم، كبدايةٍ لتغيير قواعد الإشتباك مع العدو الصهيوني كما سبق وأعلن سماحة السيد حسن نصرالله منذ أيام، أن كل ما يطير في أجواء لبنان قادماً من فلسطين المحتلة هو هدف يجب العمل على إسقاطه.
مُخطىءٌ الى حدود الضلال، مَن يُحاسِب يزيداً على مذهبه، ويحصر عظمة الثورة الحُسينية بمذهبها، لأن عولمة الظُلم واقعة، وحق مقاومته باتت أمراً واقعاً، ونسترشد ببعضٍ من مشهدياتٍ وتوصيفات مسيحية في المناسبات العاشورائية، شاءت إثبات أن الظالم لا دين له، ورفع الظلم ثقافة يجب تعميمها على كل الأخلاقيات الدينية والمدنية.
سيِّدة بلجيكية كانت في زيارة سياحية للعراق منذ نحو ثلاثين سنة تقول: "ذهبت لزيارة كربلاء لأتعرَّف على مراسم عاشوراء، رأيت الدموع تنهمر غزيرة من الحشود الهائلة، لكني قرأت في عيونهم القوَّة وفي سواعدهم العزم".
ويقول المفكِّر أنطوان بارا في كتابه "الحسين في الفكر المسيحي": في صدر المسيحية صَلَب مجنون روما نيرون، تلميذيّ السيد المسيح بطرس وبولس جزاء ادخالهما المسيحية الى روما، وكذلك فعل يزيد بالإمام الحسين، حين قام بثورة الحق بمواجهة الطُغيان.
ويقول المستشرق إدوارد دبراون: "هل ثمَّة قلب لا يغشاه الحزن والألم حين يسمع حديثاً عن كربلاء؟ وحتى غير المسلمين لا يسعهم إنكار طهارة الروح التي وقعت هذه المعركة في ظلِّها".
ونختِم مع "موريس دو كابري": "يُقال في مجالس العزاء أن الحسين ضحَّى بنفسه لصيانة شرف وأعراض الناس، ولحفظ حرمة الإسلام، ولم يرضخ لتسلُّط ونزوات يزيد، إذاً تعالوا نتخذه لنا قدوة، لنتخلص من نير الإستعمار، وأن نفضِّل الموت الكريم على الحياة الذليلة".
ولأن الصراعات قد تطوَّرت، عن زمن سيف يزيد وسيف الحُسين، وبلغت الأمور حروباً لا نهاية لها، والضعفاء حقول تجاربٍ لأشرس أنواع الأسلحة، والأنظمة العربية العميلة هي في طليعة الإرتهان "لليزيدية المُعاصرة"، من فلسطين الى سوريا الى العراق الى اليمن، فإن تطوير وسائل المواجهة أمر طبيعي، ولعلنا في لبنان أعطينا اليزيدية الأميركية والإسرائيلية والخليجية دروساً في كرامة العيش وسيادة الأوطان، ولم تُعُد المراسم العاشورائية ذكرى إستحضار ثورة حق، ولا مشهديات مسرحية رمزية، بل شاءتها المقاومة هذه السنة واقعاً محسوساً في مواجهة الظلم لا بل بداية عظيمة لِردعه، ولا بأس عند نقل مشهديات عاشوراء هذا العام، نقل مشهدية إسقاط المُسيَّرة الصهيوينة التي كانت تُعربِد في سمائنا وأسقطتها القبضات القابضة على صواريخ الكرامة ...