الثبات - إسلاميات
دروسٌ من استشهاد الإمام الحسين عليه السلام
عندما بويع ليزيد بالخلافة سنة ستين من الهجرة، ورفض أن يبايع الإمام الحسين بن علي عليه السلام وعبد الله بن الزبير رضي الله عنه وكانا في الـمدينة، ولـما طلب منهما أن يبايعا ليزيد قال عبد الله بن الزبير: أنظر هذه الليلة وأخبركم برأيي، فقالوا: نعم، فلـما كان الليل خرج من الـمدينة هارباً إلى مكة ولم يبايع.
ولـما جيء بالحسين بن علي وقيل له: بايع. قال: إني لا أبايع سراً ولكن أبايع جهراً بين الناس. قالوا: نعم، ولـما كان الليل خرج خلف عبد الله بن الزبير.
- هنا نتوقف فقد كان الحسين عليه السلام يرفض البيعة فقط منكراً ولاية يزيد ولم يكن تجهز للخروج عليه إلا بعد مراسلة اهل العراق له فزادت قناعته أنه له منعة.. حيث اتفقت كتب أهل العراق أنهم لا يريدون إلا علياً وأولاده رضي الله عنهم، فأرسلوا الكتب إلى الحسين بن علي يقولون في كتبهم: إنا بايعناك ولا نريد إلا أنت، وليس في عنقنا بيعة ليزيد بل البيعة لك، وتكاثرت الكتب على الحسين بن علي عليه السلام حتى بلغت أكثر من خمسمائة كتاب كلها جاءته من أهل الكوفة يدعونه إليهم.
- هنا أدرك الامام الحسين أنَّ ثورته ورفضه لولاية يزيد يمكن بأهل العراق أن تكون وسيلة للتغير مما يؤكد أن رفضه لم يكن شعوراً حماسياً او غضبياً فقط..
- وعملاً بالأسباب أراد تقصي الأمر فأرسل ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب لتقصي الأمور هناك وليعرف حقيقة الأمر وجليته، فلـما وصل مسلم بن عقيل إلى الكوفة ايضاً هو تدبر الأسباب صار يسأل حتى علم أنَّ الناس هناك لا يريدون يزيد بل الحسين بن علي ونزل عند هانئ بن عروة، وجاء الناس جماعات ووحدانا يبايعون مسلم بن عقيل على بيعة الحسين رضي الله تبارك وتعالى عنهم أجمعين حتى بلغوا 18الف.
وكان النعمان بن بشير أميراً على الكوفة من قبل يزيد بن معاوية فلـما بلغه الأمر أنَّ مسلم بن عقيل بين ظهرانيهم وأنه يأتيه الناس ويبايعونه للحسين أظهر كأنه لم يسمع شيئاً ولم يعبأ بالأمر، حتى خرج بعض الذين عنده إلى يزيد في الشام وأخبروه بالأمر، وأن مسلماً يبايعه الناس وأنَّ النعمان بن بشير غير مكترث بهذا الأمر (الصحابي الجليل نعمان بن البشير) لم يعجب يزيد موقف النعمان بن بشير أمر يزيد بعزله، وأرسل عبيد الله بن زياد والياً على الكوفة وكان قاسياً شديد الولاء لبنى امية فوصل عبيد الله بن زياد ليلاً إلى الكوفة متلثماً وقد شاع بين الناس خبر قدوم الحسين فباتوا ينتظرونه فلما دخل زياد متلثما كان عندما يمر على الناس يسلم عليهم يقولون: وعليك السلام يا ابن بنت رسول الله يظنون أنها لحسين وأنه دخل متخفياً متلثماً ليلاً، فأدرك عبيد الله بن زياد خطورة الوضع وأنَّ الأمر جدٌ وأنَّ الناس ينتظرون الحسين بن علي، عند ذلك دخل القصر ثم أرسل مولى له اسمه معقل ليتقصى الأمر ويعرف من الرأس الـمدبر في هذه الـمسألة؟ فذهب معقل على أنه رجل من «حمص» وأنه جاء بثلاثة آلاف دينار لـمساندة الحسين رضي الله عنه فصار يسأل حتى دل على دار هانئ بن عروة، فدخل ووجد مسلم بن عقيل وبايعه وأعطاه الثلاثة آلاف دينار وصار يتردد أياماً حتى عرف ما عندهم ورجع بعد ذلك إلى عبيد الله بن زياد وأخبره الخبر.
بعد أن استقرت الأمور وبايع كثير من الناس لـمسلم بن عقيل، أرسل إلى الحسين أن أقدم فإن الأمر قد تهيأ، بمعنى يوجد العدد الكاف من المناصرين والاتباع فخرج الحسين علي رضي الله عنهما في يوم التروية، وكان عبيد الله قد علم ما قام به مسلم بن عقيل فقال: علي بهانئ بن عروة، فجيء به فسأله: أين مسلم بن عقيل؟ قال: لا أدري.. فنادى مولاه معقلاً فدخل عليه فقال: هل تعرفه؟ قال: نعم فأسقط في يده، وعرف أن الـمسألة كانت خدعة من عبيد الله بن زياد، فقال له عبيد الله بن زياد عند ذلك: أين مسلم بن عقيل؟ - وهنا يضرب هانئ بن عروة وهو من كبار القوم أروع مثال في الشهامة والوفاء والشجاعة - فقال: والله لو كان تحت قدمي ما رفعتها، فضربه عبيد الله بن زياد ثم أمر بحبسه وقتله بعد ذلك وبلغ خبر القبض على هانئ مسلم لن عقيل فلم يسكت البطل فجمع أنصاره وخرج بأربعة آلاف وحاصر قصر عبيد الله وخرج أهل الكوفة معه، وكان عند عبيد الله في ذلك الوقت أشراف الناس أي كبار القوم فقال لهم خذلوا الناس عن مسلم بن عقيل، ووعدهم بالعطايا وخوفهم بجيش الشام، فصار الأمراء يخذلون الناس عن مسلم بن عقيل، فما زالت الـمرأة تأتي وتأخذ ولدها، ويأتي الرجل ويأخذ أخاه، ويأتي أمير القبيلة فينهى الناس، حتى لم يبق معه إلا ثلاثون رجلاً من أربعة آلاف! وما غابت الشمس إلا ومسلم بن عقيل وحده، ذهب كل الناس عنه، وبقي وحيداً يمشي في دروب الكوفة لا يدري أين يذهب، تكتمل القصة الحزينة المبكية لمسلم بن عقيل عندما وجد نفسه وحيداً في دروب الكوفة عطشان لا يعرف طريقاً للخروج وجد أمامه باب بيت فطرق الباب على امرأة من كندة.. فقال لها: أريد ماء، فاستغربت منه ثم قالت له: من أنت؟ فقال: أنا مسلم بن عقيل وأخبرها الخبر وأن الناس خذلوه، وأن الحسين سيأتي؛ لأنه أرسل إليه أن أقدم فأدخلته عندها في بيت مجاور، وأتته بالـماء والطعام ولكن ولدها قام بإخبار عبيد الله بن زياد بمكان مسلم بن عقيل، فأرسل عبيد الله بن زياد إلي مسلم سبعين رجلاً فحاصروه فقاتلهم في شجاعة باسلة ندران يسمع بها التاريخ فاضطروا ان يأمنوه عندها استسلم لهم فأخذ وه إلى قصر الإمارة الذي فيه عبيد الله بن زياد، فلـما دخل سأله عبيد الله عن سبب خروجه هذا؟ فقال: بيعة في أعناقنا للحسين بن علي قال: أو ليست في عنقك بيعة ليزيد؟ فقال له عبيد الله: إني قاتلك. قال: دعني أوصي. قال: نعم أوص.
فالتفت فوجد عمر بن سعد بن أبي وقاص، فقال له: أنت أقرب الناس مني رحماً تعال أوصيك، فأخذه في جانب من الدار وأوصاه بأن يرسل إلى الحسين بأن يرجع، فأرسل عمر بن سعد رجلاً إلى الحسين ليخبره بأن الأمر قد انقضى، وأن أهل الكوفة قد خدعوه، وقال مسلم كلمته الـمشهورة: "ارجع بأهلك ولا يغرنك أهل الكوفة فإن أهل الكوفة قد كذبوك وكذبوني وليس لكاذب رأي".
قتل عند ذلك مسلم بن عقيل في يوم عرفة وكان الحسين قد خرج من مكة في يوم التروية قبل مقتل مسلم بن عقيل بيوم واحد.
قصة مسلم بن عقيل بن ابى طالب رغم احزانها الانها فيه فوائد منها:
-ثباته وحده رغم خذلان الناس: وهو امر صعب جداجدا على النفس ان يتجمع لك 18الف من الانصار ثم يخذلوك جميعا ولا تتراجع وتثبت حتى تقتل وحدك يا الله ولكنه مسلم بن عقيل من ال البيت الكرام تقبله الله من الشهداء.
-عدم الاعتماد على الجماهير المتحمسة: في الحركات والعمل المسلح بل لابد من الدراسة والاعتماد على نخبة منتقاة.
-دراسة عادات وطبائع الناس: فلم يكن الخذلان الأول من أهل الكوفة.
وقد كان كثير من النخبة يعارضون خروج الحسين ليس رفضاً لموقفه من يزيد أبداً والله فهم مؤيدين للحسين ولكن لعدم القدرة على التغيير مع المفسدة الراجحة ولعدم ثقتهم في اهل الكوفة..
-منهم الصحابي الجليل حبر الامة ابن عباس قال للحسين لـما أراد الخروج: لولا أن يزري بي وبك الناس لشبثت يدي في رأسك فلم أترك تذهب.
يتضح مما سبق:
- انَّ رفض الصحابة كان بسبب عدم ثقتهم تماماً في نصرة اهل الكوفة للحسين وذلك يرجح عدم التكافؤ في القدرة.
- لم تخرج من الصحابة كلمة واحدة للحسين ترفض مبدأ الخروج على الحاكم الفاسق المسلم وعدم طاعته.
- وجوب معرفة وتقدير الأسباب المادية عند الخروج المسلح ومعرفة طبيعة الشعوب والمناصرين وأنَّ الجماهير مهما كانت متحمسة لكن كما قال الفرزدق قلوبهم معك وسيوفهم مع بنى أمية، الصالحون بدون سلطان وقوة ستتركهم الجماهير حتى ولوكان ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم فما بالكم بغيرهم من المسلمين البقية في المقال اللاحق كيف خرج الحسين وكيف واجه خذلان أهل الكوفة ولما استمر وكيف استشهد سيد شباب اهل الجنة.