أقلام الثبات
بدأ الصراع الاميركي - الصيني يأخذ منحى تصاعديا على ملفات عدة ,ويأخذ في الظاهر وكأنه صراع تجاري فقط، ولعل ابرز وجوه الصراع التجاري المنوه عنه تمثل في محاولة الولايات المتحدة محاصرة شركة هواوي، وهي الشركة التي بزت الصناعات الالكترونية الاميركية، وجعلتها لاهثة لسبر اغوار الشركة المنافسة في السوق العالمي، و تمددت الحرب الى اشكال التجارة المتعددة المسارات بسبب الهوس والجشع الاميركي المتغول، واعنبرت الادارة الاميركية انها وجدت ضالتها في القدرة على لي ذراع الصين من خلال العقوبات والضرائب على الشركات والمنتجات الصينية التي يتعطش اليها المستهلك الاميركي.
لكن الصين ذات الصبر الطويل حاولت في البداية احتواء الحرب التجارية التي اعلنتها الولايات المتحدة، فاعتبرت ادارة الرئيس دونالد ترامب ان بلاد التنين الناري قاصرة على المواجهة، لتفاجئ بعقوبات واجراءات صينية مضادة باتت تهدد نسبيا قطاعات اميركية وازنة في السوق الصيني، وابرزها المنتجات الزراعية.
ويرى الخبراء الاقتصاديون، وجلهم من الاميركيين ان المنافسة السلبية لا بد ان تلحق الضرر ليس في اقتصاد اكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، وهما الولايات المتحدة والصين، وانما في الاقتصاد العالمي ككل، ولكن هناك من يستفيد من ذلك مرحليا ككندا والمكسيك وكلاهما يجاور الولايات المتحدة.فضلا عن ان ملامح انكماش تجاري بدأ يظهر، مبشرا بتباطؤ غير مسبوق.
ربما بدأت ادارة ترامب تستوعب ولو جزئيا، ان حربها التجارية على الصين ستؤدي الى تراجع مجمل الحركة التجارية، وفي مثل هذه الصراعات عاموما لا يوجد رابحون بين المتصارعين، والذي سيدفع الثمن الاكبر على المدى البعيد هو من يشعل الصراعات، وخصوصا ان الولايات المتحدة لم تتمكن من اقناع حلفائها الاوروبيين بضرورة انخراطهم في تلك الحرب، وبعد التوترات في القطاع الزراعي الاميركي الذي حاول ترامب تهدئته بصرف مليارات اضافية من الموازنة الحكومية لانقاذه من ربقة الزيادات التي فرضتها الصين، بعد ان كان يعتقد ان الصينيين سيراحعون سياساتهم الاقتصادية التي بنت الصين اصلا عليها قوتها وقدراتها الاقتصادية الهائلة .وهذا الامر الصراعي جعل ,حتى صندوق النقد الدولي يصف الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين باحد اكبر الاخطار التي تهدد اقتصاد كوكب الارض.
لقد اضطر ترامب بعد استعراض قوة العقوبات الى الانصياع لما تريده الشركات الاميركية بخصوص مخاوفها من عواقب الحرب التجارية الشاملة، وارجأ تطبيق الرسوم الاضافية الجديدة على مجموعة من السلع حتى منتصف كانون الاول، الا ان كارتلات الاعمال لا ترى في صيغة ترامب سوى هدنة لن تستسمر، وليست حلا بالمعنى المطلوب، كما انها دليل على الضعف السياسي الذي يطوق الرئيس الاميركي في الداخل ,وهذا ما قد يدفع ترامب الى خطوات حمقاء سيما ان الخطر لا يزال يحيق بالعلاقات، ما يمكن ان يؤدي الى الاشتعال مجددا لا سيما في قطاع التكنولوجيا المتقدمة.
ان الحرب التجارية بين العملاقين ليست الا احد وجوه الحرب التحتية التي طفت على السطح مع تصاعد المخاوف الاميركية من القوة الصينية -السياسية والعسكرية- التي تعمل بكين على تطويرها باضطراد مع تصاعد التهديدات الاميركية في البحار لخطوط التجارة العالمية، وكذلك في تحريك الصراعات الاثنية داخل الصين، والتدخل في الشؤون الداخلية الصينية ورعاية الدالاي لاما من جهة، وتسليح تايوان من جهة اخرى، وهو ما تعتبره الصين اوج التحريض على الانفصال، وقد ردت الصين ولاول مرة بانها ستفرض عقوبات على الشركات الاميركية المنتجة للدبابات والصواريخ التي ستشتريها تايوان لان الامر "يضر بامنها وسيادتها " وحذرت واشنطن من "اللعب بالنار "، ووصل التحذير الصيني الى كلام غير مسبوق على لسان وزير الدفاع بان هدد باستعادة تايوان بالقوة اذا لزم الامر وقال ان اي نزاع بيننا وبين الولايات المتحدة سيكون كارثة، كما دعا الولايات المتحدة الى وقف اسفزازاتها في بحر الصين الجنوبي تحت ذريعة حرية الملاحة، وختم ان الصبن ستقاتل حتى النهاية اذا كانت واشنطن تريد الصراع بشأن القضايا التجارية.
اذا كانت لكل حرب جوهرها الاقتصادي، فان شعارات الحروب الاميركية ضد من يناوئ سياسات واشنطن الاستعمارية تختصر بكلمة ديمقراطية، وهذه اليد الاميركية اكتشفتها الصين في هونغ كونغ الملتهبة بالتظاهرات منذ اسابيع عدة، وهي بدأت برفض مجموعات قليلة تسليم المجرمين للحكومة الصينية، ثم تدحرجت لتصبح الشعارات تقارب ما تم رفعه في الثورات الملونة من اوكرانيا الى المنطقة العربية، ولم تكن اليد الخفية الاميركية بعيدة عن العين الصينية التي ترى ابعد مما يتوقع الاميركيون، الذين يسعون لنشر صواريخهم النووية في اسيا واروربا الشرقية بما يهدد الصين وروسيا معا، ما يدفع هاتين الدولتين الى التفكير في انشاء نظام دفاعي مشترك، ما دام التهديد الاميركي مشتركاً.