أقلام الثبات
السفارة الأميركية مرة جديدة على خط الأزمات اللبنانية، بتدخل غير مسبوق في العلاقات الديبلوماسية، وفي شأن بحت داخلي، وبطريقة سافرة، من خلال إعطاء رأيها بجريمة وقعت فوق الأرض اللبنانية، وهي بيد القضاء اللبناني.
وإذا كان اللبنانيون قد عرفوا في مختلف المراحل تدخلاً أميركياً سافراً في مختلف الشؤون الداخلية اللبنانية، إلا أن التدخل هذه المرة تجلى بأوضح صورة، بإعلان الدعم لطرف محدد، في جريمة موصوفة، كادت تهدد سلامة البلاد، ويعمل القضاء على فك شيفرتها، فقد اعتبرت سفارة العم سام في لبنان "أن أي محاولة لاستغلال الحدث المأساوي الذي وقع في قبر شمون في 30 حزيران الماضي بهدف تعزيز أهداف سياسية، يجب أن يتم رفضها" ووصل التدخل في شأن داخلي لبناني إلى ذروته بالقول: "أن واشنطن عبرت بعبارات واضحة إلى السلطات اللبنانية عن توقعها أن تتعامل مع هذا الأمر بطريقة تحقق العدالة دون تأجيج نعرات طائفية ومناطقية بخلفيات سياسية".
إذاً، المندوب السامي الأميركي، وصل تدخله إلى حدود سافرة، يذكر اللبنانيين بالكرم الأميركي لإحداث الفتن وتخريب لبنان، التي نذكر بعضاً من مآثرها على سبيل المثال وليس الحصر.
في عام 1975، حضر الديبلوماسي الأميركي دين براون إلى لبنان في بدايات الحرب الأهلية، وخاطب الرئيس سليمان فرنجية قائلاً: "فخامة الرئيس لديكم 3 أيام لتغادروا لبنان، أتينا بالبواخر لإجلائكم".
فرد الرئيس فرنجية: "حضرة الديبلوماسي لديك 3 دقائق لتغادر هذه القاعة".
ويروي الرئيس فرنجية في مقابلة لي معه: "أنه حين خرج براون وكان هو خلفه هم أكثر من مرة ليخبطه بقدمه، لكنه وحتى لايصل إلى ذلك، لم يستكمل عملية وداعه".
وحتى لانذهب بعيداً، نذكر بمأثرة لونداليزا رايس، طالما أننا مانزال نعيش في زمن انتصار المقاومة غير المسبوق في تاريخ الصراع العربي – الاسرائيلي، وعنينا به حرب تموز – آب 2006، حين استقبلها رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة في السراي الحكومي بالأحضان، ومن داخل هذه السراي، بشرتنا زعيمة الديبلوماسية الأميركية في حينه بأنه "من رحم تلك الحرب سيولد الشرق الأوسط الجديد"، دون أن ننسى بالطبع حديثها وعن "الفوضى الخلاقة".
وذهب تدخل رايس السافر بجمعها قادة قوى 14 آذار إبان هذه الحرب في غداء السندويش في السفارة لتطمئنهم عن تطورات الحرب، وتبشرهم بهزيمة المقاومة التي فرضت إرادتها وانتصارها رغماً عن إرادة الأميركي والصهيوني وأتباعهما.
بعدها، كان المندوب السامي الأميركي الأسبق جيفري فيلتمان الذي حل في لبنان عام 2005 ولم يترك وسيلة للتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، لدرجة أنه اعترف بصراحة ووقاحة أن بلاده صرفت في الانتخابات 500 مليون دولار من أجل فوز جماعة 14 آذار.
وفيلتمان نفسه وكان قد أصبح الأمين المساعد للأمم المتحدة للشؤون السياسية، تحرك في كل الاتجاهات وهو يشغل منصباً دولياً في الأمم المتحدة، من أجل منع وصول ميشال عون لرئاسة الجمهورية لكن خابت كل مساعيه واتصالاته.
واشنطن بأي حال، لاتترك وسيلة لممارسة الضغط والتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، وهي تمارس شتى أنواع الرعب الإقتصادي والسياسي على لبنان سواء من خلال الرعب الذي تفرضه على المصارف اللبنانية والمتعاملين بعملتها، أو من خلال الضغط على السياسيين والإقتصاديين وغيرها الكثير من التداخلات: وهاهي الآن من خلال مقر مندوبيتها السامية في عوكر تتدخل في برأيها الوقح في جريمة قبر شمون.
ثمة حقيقة يجب أن يعرفها سواء المندوب السامي الأميركي الجديد، أو أتباعه من اللبنانيين، أن قوى 14 آذار في ذروة قوتها واندفاعاتها بعد العام 2005 وفي ذروة حرب تموز – آب 2006، لم تتمكن رغم تكريمها لجون بولتون حينها "بشلح الأرز" هي وأميركا والعدو الصهيوني والرجعية العربية من فرض واقع جديد على لبنان، وهي حتماً لن تقدر ولن تستطيع الآن وغداً وبعده، لكن لابد من التحذير والانتباه من الألعاب والمؤامرات الدموية القذرة التي قد تلجأ إليها المخابرات الأميركية وامتداداتها للتلاعب باستقرار لبنان في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ لبنان... حمى الله لبنان وسوريا.