أقلام الثبات
دخلت الحرب العدوانية على اليمن منعطفا جديدا، ليس على المستوى العسكري فحسب وانما على المستويين السياسي والاستراتيجي، وهو ما سيكون له تداعيات دولية دون ادنى شك، ناجمة عن الابداع العسكري - الامني الذي اجترحه الجيش اليمني وانصار الله والذي سيؤسس لمرحلة من العلاقات الاقليمية والدولية تكون مغايرة للاحلاف الفاشلة خلال سنوات حكم ادارة دونالد ترامب للدولة الاكثر عدوانية على الكرة الارضية.
لقد تمكن انصار الله واللجان المشتركة من ترجمة كل وعد اطلقوه بالرد على المذابح ضد المدنيين واستهداف المنشأت المتهالكة اصلا، والبنى التحتية المتبقية، على اهداف حددوها مسبقا وعلنا، وكلها تستخدم عسكريا وامنيا ضد اليمنيين، وكشفوا عن الاسلحة التي سوف تستخدم مع كل تطوير او تصنيع جديد ,رغم الحصار الخانق والذي يطال حتى خروج المرضى من البلاد المحاصرة برا وبحرا وجوا ,ليس فقط من التحالف الذي تقوده السعودية والذي يزداد هشاشة، وايضا تحت رقابة الاقمار الصناعية الاميركية، ومستشارين ميدانيين وامنيين صهاينة، هذا عدا عن الاسلحة المتاحة لدول العدوان من الولايات المتحدة وبريطانيا ودول اوروبية كثيرة بعضها استفاق على الفشل وبدا بمراجعة مبيعات الاسلحة الى السعودية لانها تستخدم ضد المدنيين في اليمن، وهذا بحد ذاته اتهام بارتكاب جرائم حرب موصوفة.
لم يكن ابتعاد بعض الدول الاوروبية، عن عملية التسليح مؤشرا جديا في رفع التعاون مع العدوان ولا سيما رأسه - اي السعودية طمعا بنفط وتمويل ومبيعات، الا ان المؤشر الاول للمرحلة القادمة هو التفكك الفعلي لدول مجلس التعاون الخليجي الذي انقاد في البداية لاهواء محمد بن سلمان الذي توهم كما اوهم الاخرين، بان تطويع اليمن وشعبه، لن يستغرق اسابيع، عبر رحلة استجمام عسكرية سوف يهرق على جوانبها دماء ابناء بلد انتج اولى الحضارات الانسانية بكل معانيها.
من المؤسف ان المراهقين في السياسة، والمتصحرين انسانيا تماهوا مع الغرائز التي تحكم ال سعود، بعضهم طمعا بشراكة الجبنة ( الامارات مثلا ) وبعضهم خوفا من بطش السعودية، التي بيقينهم انها منتجة للارهاب بكافة اشكاله من القاعدة الى داعش اضافة الى استخدام قتلة رسميين مباشرين مثلما حصل مع ربيبها الصحافي جمال خاشقجي لاحقا، وبعض اخر طمعا باموال، فزج بجيش جرار مثل السودان بقرار من عمر البشير الرئيس السوداني المعزول بتأمر سعودي، لانه اكتشف مخاطر اللعبة، فاندفع باتجاه دمشق كتكفير عن خطيئته، فاسقط الحقد السعودي ورقته.
لقد استنزف العدوان على اليمن ليس فقط خزائن النفط وانما مخزون التضليل ايضا حتى بين الحلفاء، لتكون قطر اول المعبرين عن الاستياء من ادارة السعودية للعدوان وأول الخارجين عن الوصاية السعودية السوداء فجرت معاقبتها بالحصار وصولا الى التهديد باجتياحها.
لقد سعت الكويت بكل ما في وسعها لوقف الحرب وقامت بوساطات حتى عقد مفاوضات للاطراف اليمنية وكادت ان تصل الى قواعد هامة لحوار اليمنيين، الا ان السعودية افشلت كل ذلك على اعتبار ان هيبتها ستذروها رياح الصحراء.
ان الشريك الاساسي في العدوان على اليمن، والمقصود ولي عهد ابو ظبي محمد بن زايد الذي ورط بلاده في اطماعه الشخصية، اصطدم بالجدار اكثر من مرة، لاسيما حين بدأت النعوش تصل الى الامارات، لكن الضربة الكبرى كانت حين تكشفت احلامه امام شريكه محمد بن سلمان بان غايته وضع اليد على ميناء عدن وجزيرة سقطرى، ليأتي الانتقام عبر اشتباكات تكررت بين الموالين للسعودية والموالين للامارات من جهة وتحريك السعودية لارهابيي القاعدة باستهداف الموالين للامارات ايضا من جهة ثانية، ما دفع الامارات للانتفاض والاعلان عن نيتها سحب قواتها وهي المرة الثالثة التي تعلن ذلك بعد ان عولجت سابقا، الا ان الضغط السعودي الذي شاركت فيه الولايات المتحدة اجبر الامارات للحديث عن اعادة انتشار وليس انسحاب كلي، لكن الرسائل وصلت.
لم تنجح السعودية رغم التغطية الاميركية في ترميم حلفها الدموي، وجاء التوتر الاميركي - الايراني المتعاظم بدفع اسرائيلي سعودي لواشنطن وتحريض الولايات المتحدة على شن حرب على ايران ليكون مصيره الفشل بعد تحدي ايران لهيبة اميركا باسقاط طائرتها فوق مياه الخليج مما أحدث ارباكا لدى واشنطن التي عجزت رغم استجدائها الحلفاء من أجل تشكيل حلف عسكري بحري بزعم حماية خط الملاحة في الخليج وهرمز.
لقد اندفعت قطر وتلتها الامارات الى عقد تفاهمات واتفاقات مع ايران ذات طابع امني حدودي، وهذه بداية الطريق في التحول باعادة الحسابات في منطقة الخليج والعدوان على اليمن.
ان البأس اليمني اجبر غالبية دول الخليج باستثناء السعودية المكابرة وساعي بريدها -البحرين- على الاقرار باستحالة اخضاع الشعب اليمني باي وسيلة، لا بل يجعل من العدم سلاحا يصل الى الدمام، وهذا اخر ما اعلن عنه اليمنيون بضربة صاروخية لم تستطع الاكاذيب السعودية محو فعله، كما ان الطائرات المسيرة التي باتت تتخطى يوميا منظومات الدفاع الاميركية ولا سيما الباتريوت، والدوريات الجوية والرصد البحري والبري بما فيها من ردارات متطورة لتضرب مطارات ابها ونجران وجيزان وخميس مشيط اكبر قاعدة حربية جوية، وتعود الى مهاجعها.
ان ما نقلته " وول ستريت جورنال "عن مسؤول سعودي يحمل مؤشرا هاماً وهو ان "السعودية لا تريد ان تجر الى حرب اطول في اليمن "وانه تم عرض على الحوثيين سرا وقف هجماتهم على السعودية.
في الواقع فكك البأس اليمني منظومة مجلس التعاون الخليجي، الذي بات اشبه بورقة معلقة على الحائط، والمفارقة ان ايران فتحت نوافذ ومرارا للدول المتورطة في حرب اليمن للخروج وكان اخرها على لسان وزير الخارجية محمد جواد ظريف بان السعودية تحلم في الانتصار بحروبها وهذا لن يكون، وعليها وقف حروبها ومائدة ايران جاهزة. وكما اضاع البأس اليمني الاحلام السود لال سعود بدد التحدي الايراني "ذي اميركان دريم".