الثبات ـ ثقافة
تعد طرق الحج القديمة جسورا للتواصل ونقل الثقافات والمعارف، حيث سلكت قوافل الحجاج منذ قديم الزمان، تلك الدروب ملبية وميممة وجهتها شطر المسجد الحرام، تهفو قلوبهم لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام.
وشهد الناس على امتداد تلك الطرق منافع لهم في تجارتهم ونقلت ثقافات ومعارف وأثرت في النسق الاجتماعية للتجمعات الواقعة على تلك الدروب، فكانت جسورا للتواصل بين الأمصار الإسلامية.
وكانت وتيرة الحركة خلال القرون الماضية عامرة على تلك الدروب، ولم يقتصر استخدامها لغرض الحج بل سلكها الركبان على مدار العام لبلوغ جهة ما.
وتعددت طرق الحج ومن أشهرها:
1- طريق الكوفة/مكة
يعد هذا الطريق من أهم طرق الحج والتجارة خلال العصر الإسلامي، واشتهر باسم "درب زبيدة " نسبة إلى السيدة زبيدة زوجة الخليفة هارون الرشيد التي أسهمت في عمارته فخلد ذكرها على مر العصور.
وذكرت المصادر التاريخية والجغرافية أن مسار الطريق خطط بطريقة عملية وهندسية فريدة، حيث أقيمت على امتداده المحطات والاستراحات، ورصفت أرضيته بالحجارة في المناطق الرملية والموحلة، فضلا عن تزويده بالمنافع والمرافق اللازمة من آبار وبرك وسدود، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء السعودية "واس".
2- طريق البصرة
يعد الطريق الثاني في الأهمية، حيث يبدأ من مدينة البصرة مرورا بشمال شرق الجزيرة العربية عبر وادي الباطن مخترقا عدة مناطق صحراوية أصعبها صحراء الدهناء، ثم يمر بمنطقة القصيم التي تكثر فيها المياه العذبة والوديان الخصبة والعيون، وبعدها يسير الطريق محاذيا لطريق الكوفة - مكة المكرمة، حتى يلتقيان عند محطة أم خرمان "أوطاس" التي تقع على مسافة عشرة أميال من موقع ذات عرق، ويلتقي طريق البصرة بالطريق الرئيسي الممتد من الكوفة عند منطقة معدن النقرة التي يتفرع منها طريق يتجه إلى المدينة.
3- الحج المصري
يسلكه حجاج مصر ومن رافقهم من حجاج المغرب والأندلس وأفريقيا في طريقهم إلى مكة المكرمة متجهين إلى شبه جزيرة سيناء للوصول إلى أيلة "العقبة" وهي أول محطة في الطريق، وبعد أيلة تمر قوافل الحجاج على حقل، ثم الشرف فمدين " مغائر شعيب - البدع ".
وكان لحجاج مصر طريقان بعد رحلتهم من مدين أحدهما داخلي والآخر ساحلي، ويتجه الطريق الداخلي إلى الجنوب الشرقي مارا بشغب ثم بدا، ثم منطقة وادي القرى إذ يلتقي في السقيا " الخشيبة " بطريق الحج الشامي ليسير معه إلى المدينة المنورة.
أما الساحلي، فيمر على محطات عدة بعد مدين منها : عينونا، النبك " المويلح "، ضباء العويند، الوجه , الحوراء، " مغيرة - نبط "، ينبع، ثم الجار ومنها إلى مكة المكرمة مرورا بالجحفة، ثم خليص فعسفان، إلى المدينة المنورة مرورا ببدر . ويعتبر الطريق الداخلي هو الأكثر استخداما خلال القرون الثلاثة الهجرية الأولى، ثم زاد استخدام الطريق الساحلي بعد ذلك التاريخ .
4- الحج الشامي
طريق الحج الرابع هو طريق الحج الشامي ويربط بلاد الشام بالأماكن المقدسة في مكة والمدينة، وعرف باسم التبوكية نسبة إلى بلدة تبوك التي يمر بها، ويبدأ مساره من دمشق ويمر ببصرى الشام "درعا"، وبمواقع أخرى أهمها أذرعات، ومعان والمدورة "سرغ" ثم يدخل الأراضي السعودية ليمر على حالة عمار، ثم ذات الحاج بتبوك، ثم الأقرع، ثم الأخضر الذي تقع فيه محطة المحدثة، ثم محطة المعظم، ثم الحجر، ثم العلا ثم قرح.
5- طرق الحج اليمني
من طرق الحج التي ربطت بين اليمن والحجاز منذ العصور القديمة، لذا فقد تعددت طرق الحج اليمنية واختلفت مساراتها، وتعددت كذلك المدن التي تسير منها، ولعل أهم المدن اليمنية التي كانت تنطلق منها جموع الحجاج اليمنيين إلى مكة هي عدن، وتعز و صنعاء وزبيد وصعدة في شمال اليمن، وكان حجاج اليمن يسلكون ثلاثة طرق هي الطريق الساحلي والطريق الداخلي أو الأوسط، والطريق الأعلى، ولكل منها محطاته.
6- الجج العماني
يسلكه حجاج عُمان إلى المشاعر، فأحدهما يتجه من عُمان إلى يبرين، ثم إلى البحرين ومنها إلى اليمامة، ثم إلى ضريه.
7- حج البحرين - اليمامة
يعد رافدا مهما من روافد طريق حج البصرة، لما له من أهمية، إذ أنه يعبر الأجزاء الوسطى من الجزيرة العربية، مارا بالعديد من بلدانها وأقاليمها، ويربط بين الحجاز والعراق، وقد حظي حجاج هذا الطريق برعاية الدولة الإسلامية وخصوصا في توفير الخدمات المهمة، وحماية الحجاج السائرين عليه من أي اعتداء يقع عليهم من قطاع الطرق.
وأشار الجغرافيون المسلمون الأوائل إلى التقاء طريق اليمامة مع طريق حج البصرة، إذ لليمامة طريقان إلى مكة المكرمة، طريق من القريتين، وطريق على مرات وبعد التقاء طريق البحرين بطريق البصرة في ضرية.
ويمر الطريق عبر محطات جديلة وفلجة والدفينة وقبا ومران ووجرة وأوطاس وذات عرق والبستان، حتى يصل إلى مكة المكرمة.