الثبات - إسلاميات
خلق علو الهمة
الرسول صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة، والقدوة الرائعة، في علو الهمة والشَّجَاعَة والإقدام، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا حمي الوطيس في الحرب، كان أكثر الناس شجاعة، وأعظمهم إقدامًا، وأعلاهم همة، وقد قاد صلوات الله عليه بنفسه خلال عشر سنين سبعًا وعشرين غزاة، وكان يتمنى أن يقوم بنفسه كل البعوث التي بعثها والسرايا التي سيرها، ولكن أقعده عن ذلك أنه كان لا يجد ما يزود به جميع أصحابه للخروج معه في كل بعث، وكان أكثرهم لا تطيب نفسه أن يقعد ورسول الله قد خرج إلى الجهاد.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، لولا أن رجالًا من المسلمين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني، ولا أجد ما أحملهم عليه، ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله، والذي نفسي بيده لوددت أن أقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل". فأية همة عالية أعلى من هذه الهمة النبوية.
وكان صلى الله عليه وسلم القدوة في الهمة العالية في العبادة. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت له: لم تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلا أكون عبدًا شكوراً".
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فأطال القيام، حتى هممت بأمر سوء، قيل وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه.
ولا شك أنَّ أعظم ما تبلِّغك همَّتُك أن تنجح في امتحان الآخرة، وتفوز بجنة الرضوان، وتكون في كنف عرش الرحمن؛ قال تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا}.
قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ارتحلَتِ الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بَنُون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل".
فالمسلم لا ترضى همته بما دون الجنة، ولذلك يُكثِر من الطاعات، ويضاعف فعل الخيرات؛ ليرضي رب الأرض والسموات؛ قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفسافها".
ويقول صلى الله عليه وسلم: "إن قامت الساعة، وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها، فليغرسها"
همة المسلم همة عالية بعبادة الله وعمارة الأرض حتى أُمر بأن يزرع نخلة وإن قامت عليه الساعة.
يقول المتنبي:
عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ ... وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ
وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها ... وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ