الثبات - إسلاميات
من أخلاق النبوة ... "الوفاء"
الوفاء: حفظ للعهود والوعود، وأداء للأمانات، واعتراف بالجميل، وصيانة للمودة والمحبة.
“الوفاء” من الأخلاق الكريمة، والخلال الحميدة، وصفة النفوس الشريفة، من أعظم الصفات الإنسانية، ومعناه أن يلتزم الإنسان بما عليه من عهود ووعود وواجبات، هو الاعتراف بالفضل، والمقابلة بالحسنى، ورد الجميل وهو خلق الكرماء، والصادقين العارفين.
والوفاء في الإسلام له منزلة عليا وهو عبادة روحية وقلبية ولسانية أيضا فقد اهتم بتربية نفوس المسلمين عليه، يقول الله تعالى: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون}.
وهو صلى الله عليه وسلم مثل يُحتذى به في الوفاء، وهو من صفات الأنبياء عليهم السلام كما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما وفيه قال: أخبرَني أبو سفيان أن هِرقلَ قال له: سألتُك ماذا يأمركم؟ فزعَمتَ أنه يأمر بالصلاة والصِّدق، والعفاف والوفاء بالعهد، قال هرقل: وهذه صفة النبي.
وحثَّ على الوفاء صلى الله عليه وسلم بقوله: "المسلمون عند شروطهم".
وكان صلى الله عليه وسلم مثلاً يُحتذى به في أقوالٍ ناصعة، وأعمال مُضيئة، منها
وفاؤه العظيم لزوجه خديجةَ رضي الله عنها وذلك الوفاء الذي لازَمه وأقام في فؤاده صلى الله عليه وسلم ثم أظهَره وعبَّر عنه في مناسبات كثيرة، نذكر منها:
ما حدَث يوم بعَث أهل مكة في فداء أَسراهم، فبعثَتْ زينبُ رضي الله عنها بنتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أبي العاص (زوجها)، وبعثَتْ فيه بقِلادة لها كانت عند خديجة رضي الله عنها (أُمها)، أدخلتْها بها على أبي العاص، قالت: فلمَّا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رقَّ لها رِقةً شديدة، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن رأيتُم أن تُطلقوا لها أسيرها وتردُّوا عليها الذي لها"، فقالوا: نعم.
وكان يذكر لخديجة مواقفها العظيمة، وذلك بعد موتها، حتى إنه كان ليَذبح الشاة، ثم يُهدي خُلَّتها منها
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان تأتيه عجوز، فقال: "كيف أنتم؟ كيف حالُكم؟ كيف كنتم بعدنا؟"، فسألتُه: مَن هذه العجوز التي تُقبل عليها؟ قال: "كانت تأتي زمان خديجة ...، وإن حُسن العهد من الإيمان".
ولم يقف وفاؤه صلى الله عليه وسلم عند حدود الآل والصَّحب، بل تجاوزَهم إلى الأعداء، كما ظهر ذلك في هذا الموقف الجليل الذي يَحكيه لنا حذيفةُ بن اليَمان رضي الله عنه قال: ما منَعني أن أشهد بدرًا، إلا أني خرجت أنا وأبي حُسيلٌ، قال: فأخَذَنا كفار قريش، قالوا: إنكم تريدون محمدًا، فقلنا: ما نريده، ما نريد إلا المدينة، فأخَذوا منا عهدَ الله وميثاقه، لنَنصَرِفَنَّ إلى المدينة ولا نُقاتل معه، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرْناه الخبر، فقال: "انصَرفا، نَفي لهم بعهْدهم، ونستعين الله عليهم".
انظر إلى هذا الخُلق العظيم، فالنبي صلى الله عليه وسلم مُقبل على حرب، ومعه القليل من الجند، وأحوج ما يكون إلى الرجال، إلا أنه يَلتزم بالوفاء بالعهد.
صلى الله عز وجل على من علَّم الدنيا هذه الأخلاق.