مكافحة الفساد و"التجربة السودانية" الممنوعة  ـ أمين أبو راشد

الأربعاء 08 أيار , 2019 09:12 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

منذ أيام، حمَّل الجيش السوداني الوزراء السابقين في حكومة البشير بشاحنات مكشوفة كما الأغنام والماعز، وتقصَّد تمريرهم بين جماهير المُتظاهرين الغاضبين، الذين رجموهم بالحجارة ونثروهم بالأتربة والرمال، في مشهدية لكيفية تطبيق العدالة الشعبية على الفاسدين قبل مثولهم أمام القضاء.

وعن استحالة تطبيق هذه الإجراءات في لبنان بحق المُرتكبين، علَّق أحد النٌجباء الظرفاء، وهو من الشخصيات المتنيَّة المعروفة على مستوى الشأن العام، بأن عدم إمكانية تطبيق عدالة "التجربة السودانية" على الفاسدين في لبنان، تعود لكوننا لدينا "18 شفرة"، وإننا إذ نستغفر وإياه الله، نجد في تعليقه لمعة سيف الحقيقة التي نخشى مواجهتها سواء على مستوى الدولة أو الشعب، بدليل، أنه بمجرَّد أن توجَّه النائب حسن فضل الله الى القضاء بِمَلفٍّ يضُمّ خلاصة عمل اللجنة المُكلَّفة بمكافحة الفساد، قامت القيامة في دار الفتوى وتوابعها ومن الشخصيات السنِّية - مُدافعةً إستباقياً - عن الرئيس فؤاد السنيورة، رغم أن النائب فضل الله لم يُسَمِّ أحداً ولم يتَّهم أحداً!

في كل بلدان العالم، هناك ما يُسمَّى "الدولة العميقة"، وهي مجموعة أهل القرار التي تحمي مؤسسة الحُكم خلف الأبواب المُغلقة والغُرَف السوداء، سواء كانت الدولة العميقة في السودان هي زُمرة المُنتفعين من حُكمِ البشير كالوزراء وكبار قادة الجيش عبر الصفقات المشبوهة، أو كانت الدولة العميقة كما الولايات المتحدة وهي الخليط بين عائلة روتشيلد وسواها المُتحكِّمة بصندوق النقد الدولي، أو اللوبي الصهيوني الذي يرسِم السياسات، أو اللوبي المُستحدَث في عهد ترامب وهو عصابة كبار مُنتِجِي الأسلحة الذين يُعتبر إشعال الحروب في دُوَل العالم الثالث، المادة الأولية الأولى لإزدهار أعمالهم ولو على أنهار من دماء الشعوب الحمقى، لكن المشكلة في لبنان هي أن "الدولة العميقة" هي كل المُنتفعين من رأس الدرج الى أسفله ولا يُناسبها فخامة ميشال عون الذي قرَّر "شطف الدرج".

كل التحرُّكات المُرِيبة التي تُلازم فذلكة وإعداد الموازنة، وكل الإشاعات عن بنود هذه الموازنة، والتحريض الإستباقي عليها، سواء عبر تصريحات المُتضرِّرين من الفرقاء السياسيين، أو المُنتفعين من "حليب بقرة الدولة"، وكل التحرَّكات النقابية المشبوهة تُشير بما لا يقبل الشك، أن ميشال عون ممنوعٌ من الحُكم لأن ميشال عون حليف المقاومة ولأن سيِّد المقاومة أخذ على عاتقه الشخصي مُحاربة الفساد كتفاً الى كتف مع ساكن بعبدا ولكن،

أن يتظاهر المُتقاعدون من الجيش والقوات المسلَّحة من أجل تقديمات "بورجوازية" ليست من حقوقهم، فهذه عدم مناقبية، وكفى تحميل الشعب اللبناني "جمِيل" أنهم قدَّموا الدماء على مذبح الوطن، وأي تدبير رقم ثلاثة هذا، يتقاضى بدلاته مَن يُداوم في قلب بيروت بالتساوي مع مَن هو على جبهات المواجهة في الجنوب أو الشرق. وأن يتظاهر العاملون في أوجيرو ومعظمهم يتقاضون راتبين، راتب من وزارة الإتصالات وآخر من أوجيرو فإنها والله وقاحة. وأن يتظاهر موظفو الضمان المُعشِّش الفساد والنهب في أوكاره فهو والله الفجور بعينِه!

كل هذه التحركات المُرِيبة تبقى تحت السقف المقبول، لكن أن تصِل ثقافة الإضرابات الى مصرف لبنان، وتتوقَّف بورصة بيروت عن العمل، وتختفي سيولة الليرة اللبنانية من المصارف، ويقِف الناس مذعورين أمام آلات السحب النقدي خوفاً من الآتي الأعظم، فهذه جريمة موصوفة تُضاهي الإخلال بالأمن القومي للبلد، وحسناً فعل الرئيس الحريري بإصدار المُذكرة البيان التي حدَّد فيها المواد القانونية التي تحظُر الإضراب على موظفي القطاع العام، وتُحذِّر من عواقبه على المُحرِّضين والمُشاركين، مما حرَّك عجلة المفاوضات والتواصل للرجوع عن هذه الخطوة التي تقضي على ما بقي من مقوِّمات الثقة بالإقتصاد اللبناني ومعيشة الناس.

وختاماً، لا زعماء ولا وزراء ولا نواب سيدخلون السجن في لبنان، لا على الطريقة السودانية ولا سواها، بل سيدخل السجن بالنيابة عنهم مَن هُم أدنى منهم مقاماً من المتورِّطين وصغار الموظفين، ومسألة إستعادة بعض المال المنهوب ستحصل، ولكن بالتراضي و"على السكَّيت"، ومَن يعتقد أن هذا العهد سيفشل في التغيير والإصلاح ومكافحة الفساد فهو واهِم، والعملية بدأت في كل المجالس والهيئات الرقابية، لأن مَن حرَّر الوطن وحقق الإنتصارات، قادرٌ أن يضع يده النظيفة بيد الرئيس النظيف ليغدو هذا البلد أقلّ قذارةً إن لم نقُل نظيفاً بالكامل...


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل