الثبات ـ إسلاميات
تظلنا في هذه الأيام نفحات ربانية عظيمة تحمل إلينا الرحمات والبركات والخيرات والذكريات العطرة المباركة؛ ورد في الخبر: “إِنَّ لِرَبِّكُم في أيَّامِ دَهْرِكُم لَنَفَحَاتٍ، أَلاَ فَتَعَرَّضُوا لَهَا”.. إنه شهر شعبان، موسم الطاعات ومفتاح الفضل والاستعداد للنفحات الكبرى الذي يأخذ بأيدينا إلى أبواب رمضان. شهر نتنسم فيه معاني الصيام والقيام والقرآن والتقرب إلى الله عز وجل. شهر تَتَروض فيه النفوس وتتأهب لِتَلقي رمضان قال ابن رجب رحمه الله: … (صيامه كالتمرين على صيام رمضان، لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده، ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذّته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط).
ومن هنا كانت تلك الوقفات التربوية والنفحات الربانية مع هذا الشهر الكريم:
– شهر يتشعب فيه خير كثير لرمضان: لما كان شهر شعبان شهر الصيام والقيام وقراءة القرءان، جعله الله مقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من طاعات وعبادات حتى يكون الاستعداد بما يليق بالشهر الكريم. من أجل ذلك اختصَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبادة تفضِّله على غيره من الشهور، فكان من دعاءه صلى الله عليه وسلم: “اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، اللهم بلغنا رمضان”. قال أبو بكر البلخي: (شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع)، وقال أيضًا: (مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر).
– شهر فيه ليلة عظيمة: في هذا الشهر المبارك ليلة عظيمة هي ليلة النصف من شعبان وقد سميت كذلك بليلة البراءة والدعاء والقِسمة وليلة الإجابة والشفاعة. وقد عظَّم النبي صلى الله عليه وسلم شأنها ورفع من قدرها في قوله: “يطّلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلاَّ لمشرك أو مشاحن..”، وأمرنا أن نجتهد فيها بصيام نهارها وقيام ليلها والتقرب إلى الله بكل عمل صالح. يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال: “إذا كانت ليلةُ النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها” 1 .
– شهر الإكثار من الصيام: تربيةً للنفس واستعدادًا للقدوم المبارك؛ عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان”. فأفضل الأعمال من صيام وقيام وطاعات ورواتب… ما كان قريبا من رمضان. قال ابن رجب رحمه الله: (صيام شعبان أفضل من صيام الأشهر الحرم، وأفضل التطوع ما كان قريبا من رمضان قبله وبعده، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها وهي تكملة لنقص الفرائض، وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده، فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة فكذلك يكون صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بَعُد عنه).
– شهر تعرض فيه الأعمال على الله: عظم الرسول صلى الله عليم وسلم شهر شعبان وخص بما اختص به شهر رمضان لأنه الزمان الذي تختم فيه الصحائف وحصاد الإعمال في كل عام ، فكان فيه ما كان من أعمال رمضان حتى يستدرك المسلم ما فاته من خير طوال السنة ، ويبدأ صفحة جديدة مع الله عز وجل .عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنَ الشّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ! قَالَ:“ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النّاسُ عَنْهُ بَــيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ” 2 .
– شهر التدريب والتأهيل التربوي: شهر شعبان جاء قبل رمضان وكل الخير في رمضان ولكن حُب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته أراد أن يسن لهم ما يسن في شهر رمضان من أعمال، فجعل شعبان بمثابة دورة تدريبية تؤهلنا إلى أن ندخل في شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار بكل عزم وقوة وإرادة، فنحرص على الإكثار من قراءة القرآن والصوم وسائر العبادات استعدادا لاستقبال الضيف الجديد.