زيارة عون لموسكو، توقيت أميركي في الزمن الروسي ـ أمين أبو راشد

الأربعاء 27 آذار , 2019 09:32 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

يُفترض أن الزمن الروسي في الشرق الأوسط قد بدأ في العام 2014، عندما اعترف الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لنظيره الروسي فلاديميير بوتين، خلال لقائهما في "سوشي"، أن أميركا قررت الإستدارة عن الشرق الأوسط، لكن استدارتها تستغرق وقتاً لأن أميركا ليست دراجة بل هي شاحنة وفق تعبير أوباما الحرفي.

والزمن الروسي بدأ تدريجياً عام 2014، لكن انتقال السلطة في أميركا لاحقاً، من أوباما المحكوم بالمؤسسة الأميركية التي يمثِّلها الكونغرس بمجلسَيّ النواب والشيوخ إضافة الى دور البنتاغون، هذا الإنتقال، لم يكُن سلساً مع شخصية تُشبه دونالد ترامب، البراغماتي المُتقلِّب والمتفلِّت من أصول استراتيجية المؤسسات، حيث دخلت معه الولايات المتحدة مرحلة لم يعرفها تاريخها المعاصر، والتي يختصرها وزير الخارجية الأسبق جون كيري بالقول: "على مدار عقود من الزمن عملتُ خلالها في الحكومة، لم أرَ زعيما مُفرِّقاً أو خطيراً بمقدار دونالد ترامب، وطبعاً لم أرَ رئيسا أميركياً يُهدِّد أمننا القومي بواسطة تغريدات على موقع تويتر". وما يؤكد توصيف كيري لترامب، أن أحداً لم يصمُد في إدارته طويلاً، من موظَّفي البيت الأبيض، وصولاً الى وزيريّ الدفاع والخارجية، الى أن رَسَت الخارجية على مايك بومبيو الذي يُنعَت في أميركا بـ "رجُل ترامب المُطِيع".

وخلال زيارته الشرق أوسطية التي شملت لبنان، حَمَل مايك بومبيو هلوسات ترامب الى بيروت، والتي رافقها قرار ترامب إعترافه بسيادة "إسرائيل" على الجولان السورية، ووقَّع بذلك صكَّاً لبنيامين نتانياهو الذي هرول الى واشنطن لإستلام الهدية التي جاءته عشية الإنتخابات، لكننا كلبنانيين نتوقَّف عند ثلاث جزئيات من زيارة بومبيو الى بيروت، التي وَسَمَت زيارة الرئيس عون- المقررة مسبقاً الى موسكو- بالتوقيت الأميركي، رغم أن لبنان دخل كما معظم بلدان الشرق الأوسط في الزمن الروسي.

أولاً، تهديدات "إسرائيل" للبنان، التي نقلها بومبيو الى المسؤولين اللبنانين، والمُستهدف فيها حزب الله، ليست أكثر من "فقَّاعات صابون"، والكيان الصهيوني العاجز بكل "القِبب الحديدية" عن ردع صاروخ من غزَّة، قد يُفكِّر بالعدوان على أية دولةٍ إقليمية، ولن يجرؤ على تحريك الجبهة الشمالية ومواجهة آلاف الصواريخ في اليوم الواحد، والجواب اللبناني المُوحَّد على تصنيف بومبيو حزب الله إرهابياً، بأن هذا الحزب ممثَّل في الحكومة وفي مجلس النواب ولديه أوسع قاعدة شعبية، عزَّز من الوحدة اللبنانية حول الرئيس عون، وبالتالي من موقعه التمثيلي الجامع في زيارته الى روسيا، وما ورد في إطلالة السيد حسن نصرالله مساء الثلاثاء وتشريحه لتصريحات بومبيو، والمواقف االرسمية منها، يختصر ملامح  الوحدة اللبنانية بوجه هذه الزيارة المشبوهة.

ثانياً، كل المحاولات الأميركية لترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان و"إسرائيل" والتي عَرَض بومبيو آخرها، (مُقايضة البرّ بالبحر في مناطق النزاع) ما هي سوى تحايُل على الوقت، لأن الجواب اللبناني معروف، بعدم التخلِّي عن حبة تراب أو قطرة ماء، لكن إسرائيل بدأت بالحفر في حقول الغاز المائية على بُعد أربعة كيلوميترات من المنطقة اللبنانية الخالصة، ولبنان ما زالت "البروقراطية" الإدارية فيه تؤخِّر المباشرة، والرئيس عون رأى أن من مصلحة لبنان إدخال الشركات الروسية على خطّ المنافسة للتعجيل بالتلزيم، وهذ ما حصل خلال لقاءاته مع كبار رجال الأعمال الروس، عبر تحفيزهم على الإستثمار في مجال التنقيب عن الغاز على الساحل اللبناني.

ثالثاً وأخيراً، تتصدَّر قضيَّة إعادة النازحين الى بلادهم أولويات زيارة الرئيس عون، خصوصاً أن لبنان تبنَّى المبادرة الروسية لإعادتهم، مع ما لروسيا من دور على الساحة السورية يُسهِّل عودتهم، فجاءت هلوسات ترامب عبر بومبيو بإبقاء النازحين خمساً وعشرين سنة في لبنان أداة ضغطٍ أميركية على النظام في سوريا، مما أعطى أكثر فأكثر زيارة الرئيس عون الى موسكو توقيتاً أميركياً، وبالتالي كان تجاوب الرئيس بوتين بوجوب تفعيل عمل ثلاثي روسي لبناني سوري لإعادة النازحين، إضافة الى التأكيد أن يكون لبنان منصّة لإعادة إعمار سوريا، وضرورة حضوره إجتماعات أستانا بصفة مراقب لحل الأزمة السورية سياسياً...

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل