أميركا تفتح العالم على تهديدات حرب نووية ـ يونس عودة

الثلاثاء 19 شباط , 2019 12:51 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

​لا تقتصر سياسة التوتير الاميركي على امكنة بعينها من العالم، لا بل تدفع الولايات المتحدة العالم كله باتجاه حروب متعددة المرامي، ولعل اخطرها حرب نووية لا تبقي ولا تذر، بسبب عدم قبول العقل الاستعماري الضارب في كل المفاصل الاميركية، اي منافس دولي جديد، او دولة ما، قادرة على القول لاميركا "لا .. لستم وحدكم على وجه الارض، ولا في الفضاء، ولا في البحار".

واحد من اخطر الفصول الاميركية، اعلان الرئيس دونالد ترامب الانسحاب من معاهدة الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى مع روسيا، والذي كان توقيعها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ايذانا بنهاية الحرب الباردة، تمهيدا لتقليص الاسلحة النووية. ولقد لفتت روسيا تكرارا مع مسار الابتزاز الاميركي بالتهديد بالانسحاب من المعاهدة، ان الانسحاب منها هو اخطر ما يمكن ان يهدد الاستقرار والامن الدوليين، كما انه يفتح الباب مجددا امام سباق غير مسبوق للتسلح.

وبموازاة اعلان الانسحاب لم توقف الولايات المتحدة، وكذلك الحلف الاطلسي الواقع في القبضة الاميركية، سعيهما لتطويق روسيا، بارسال جنود ونشر منظومات الدفاع الصاروخي في اوروبا ولا سيما الشرقية منها، مثل بولندا، وهنغاريا  وسلوفاكيا، او تلك التي كانت ضمن الدولة السوفياتية مثل اوكرانيا ودول البلطيق بشكل عام.

ان المبررات الاميركية للانسحاب من معاهدة الصواريخ، لا تشبه الا "بروباغندا" سمجة باتهام روسيا بتجربة صاروخ من طراز "اس اس سي 8"، وان هذا مخالف للاتفاقية، ورغم نشر روسيا مكونات الصاروخ التي لا تنتهك ابدا الاتفاقية، واعلانها الاستعداد المستمر للحوار، الا ان ترامب اعلن الانسحاب بحزم بالتوازي مع ارسال مستشاره للامن القومي جون بولتون الى موسكو لبحث ذي، صلة، الامر الذي يؤكد عدم الجدية في الحوار.

لقد جردت بالمقابل الولايات المتحدة حملة دبلوماسية قادت وزير خارجيتها مايك بومبيو الى اوروبا قبيل مؤتمر وارسو للتحريض على ايران من جهة، واستمالة الاوروبيين الى تأييد التوتير الاميركي في مواجهة روسيا، الا  ان الاخطر هو اجتماع وزراء حلف شمال الاطلسي في بروكسيل حيث ناقشوا فيه كيفية التصرف في مواجهة تعليق الولايات المتحدة من جانب واحد المعاهدة الصاروخية الذي سيكون الانسحاب الرسمي منها بعد ستة اشهر، وايد الجميع وجهة النظر الاميركية - على عماها او تعميتها - مع الاشارة الى ان واشنطن ركزت على رغبتها في تعزيز الدفاع عن الاطلسي ضد الصواريخ غير الاستراتيجية اي تلك التي لا يتجاوز مداها 5 الاف كلم، فيما طلب  امين عام الحلف الاطلسي ينس ستولتنبرغ من روسيا التي اعلنت انها سترد بالمثل على الانسحاب الاميركي، العودة الى الاتفاقية مع ابداء ايمانه بالحوار مع روسيا، دون ان يتطرق الى الخروخ الاميركي من المعاهدة.

ان ما اثار الاطلسي بمكوناته، هو اعلان روسيا انها ستضطر الى اتخاذ اجراءات لتحقيق التوازن الاستراتيجي واحترام مصالحها وانها ستنسحب بدورها من المعاهدة التي تسقط حتما بانسحاب واشنطن، مع الاشارة الى ان الاميركيين يدفعون الاوروبيين ليكون كبش المحرقة الاميركية من خلال نصب واشنطن صواريخ في اوروبا تكون موجهة الى روسيا، فيما اعلن خبراء من جنسيات مختلفة ان روسيا قادرة على تدمير اية صواريخ في اوروبا بوقت اقل بكثير مما هو متوقع لدى الاستراتيجيين الغربييين.

لا يقتصر التوتير الاميركي على هذه الجبهة، وانما يصل عبر الحلف الاطلسي الى المنطقة القطبية من خلال تحريك الغواصات التي تدخل الى موانئ النروج، مع حديث رئيس الاستخبارات العسكرية النروجية مورتن هاغا لوند الاهتمام بتعزيز الوجود العسكري في القطب الشمالي، وهو امر مقلق  لروسيا بلا شك، كما انه سيدفع الصين التي تعمل على طريق حرير عبر المحيطات المتجمدة الى رفد ذلك بحضور عسكري. لحماية حركتها التجارية من قراصنة الاطلسي والاميركيين تحديدا، ويضاف الى ذلك الاستفزازات الاميركية في بحر الصين الجنوبي، ومحاولة دفع اليابان الى الصدام مع الصين عبر الجزر المتنازع عليها.

لم يعد العالم امنا من السلاح النووي في ظل السياسة الاميركية التي لا يمكنها القبول  بشركاء دوليين، وعنوانها الوحيد، حكم العالم لي وحدي دون غيري او لا احد.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل