الثبات ـ مقالات
تشهد تونس حالة من الصدمة والذهول بعد كشف برنامج تلفزيوني عن وجود مدرسة بمنطقة الرقاب من ولاية سيدي بوزيد يديرها تكفيريون، وتحصل فيها انتهاكات بالجملة للتلاميذ الذين قدموا إليها بغاية دراسة العلوم الشرعية. فإضافة إلى تدهور الوضع الصحي بعد انتشار الجرب والقمل، يتعرض الأطفال في هذه المدرسة إلى الضرب المبرح ويُعزلون عن العالم الخارجي ويتم إطعامهم أغذية غير صحية أو غير كافية لحاجيات أجسامهم التي هي بصدد النمو.
ولعل الأخطر هو تعرض بعض الأطفال المقيمين في المبيت المخصص لهذه "المدرسة الدينية" إلى اعتداءات جسدية أثبتها الطب الشرعي واختلف التونسيون في تفسير أسبابها، لكن أغلب الظن أن الأمور مدروسة وممنهجة من قبل التكفيريين والغاية هي كسر هؤلاء الأطفال نفسياً وتحطيم ملكة الرفض لديهم ليصبحوا أداة طيعة ويتم توجيههم لاحقا نحو القيام بأعمال إرهابية مع التهديد بكشف المستور، وكل ذلك لخلق جيل جديد من الإنتحاريين التكفيريين مسلوبي الإرادة حاملي النقمة وثقافة الموت.
تتبعات قضائية
لقد تم القبض على صاحب هذه المدرسة والمشرفين عليها وينتظر أن توجه لهم تهم جنائية بالجملة بالإضافة إلى أولياء التلاميذ الذين رموا بأبنائهم إلى هذا الوكر الإرهابي دون تمحيص واحتجوا واعتصموا في البداية حين تم القبض على أبنائهم وعلى طاقم المدرسة. كما تمت إقالة والي سيدي بوزيد (المحافظ) ومعتمد منطقة الرقاب (القائم مقام) وهناك مطالب باستقالة وزيرة المرأة والأسرة والطفولة وكذا رئيس الحكومة وتحميل المسؤولية لكل من عهدت له مسؤولية بتلك الربوع منذ 2012.
ولعل وجود مدارس أخرى على شاكلة هذه المدرسة انتشرت في البلاد بعد "الثورة" يبعث على الخوف والخشية على مستقبل هذا البلد الذي يتراجع فيه الفكر المستنير مقابل انتشار الفكر التكفيري المنغلق الممول من خليجيا بتخطيط صهيوني يهدف إلى تدمير المجتمع التونسي. وقد بدأ بعض المسؤولين في جهات مختلفة بالتحرك بعد هذه الفضيحة المدوية وقاموا بإغلاق مدارس مشابهة.
القتال في سورية
هناك حديث عن تورط هذه المدارس التكفيرية في إرسال مغرر بهم من المراهقين للقتال في سوريا بتحريض من أطراف عربية خادمة لأجندات صهيونية تقوم بتمويل أنشطة هذه المدارس.
ولعل الغريب في الأمر هو البيان الصادر عن منظمة العفو الدولية التي انتقدت تعامل الحكومة التونسية مع المسألة وأدانت عرض الأطفال على الطبيب الشرعي ولم تحرك ساكنا بخصوص ما يحصل من انتهاكات للطفولة داخل هذه المدرسة.
وتخشى أطراف كثيرة من أن تتدخل دول ولوبيات نافذة في سير التحقيقات ويتم غلق الملف والتعتيم على الأدوار المشبوهة لبعض البلدان العربية والغربية في تمويل الإرهاب. ذلك أن ملفات عديدة تفتح وتغلق بسرعة البرق في ظل الوضع الأمني الإستثنائي الذي تعيشه تونس منذ ثماني سنوات.
روعة قاسم / تونس