ذكرى المولد النَّبوي والوحدة الإسلامية

الأحد 01 تشرين الثاني , 2020 12:33 توقيت بيروت الوحدة والتقريب

الثبات - الوحدة الإسلامية

 

ذكرى المولد النَّبوي والوحدة الإسلامية

 

أهمية محبة النّبي عليه الصَّلاة والسَّلام

اقترن حبه صلى الله عليه وسلم بحب الله تعالى في الكثير من الآيات القرآنية، منها قوله تعالى: {قُل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانُكم وأزواجُكم وعشيرتُكم وأموالٌ اقترفتموها وتجارةٌ تخشَون كسادَها ومساكنُ ترضونها أحبَّ إليكم من اللهِ ورسولهِ وجهادٍ في سبيلِه فَتربَّصوا حتى يأتي اللهُ بأمرِه واللهُ لا يهدي القومَ الفاسقين}، {قُل إن كنتم تحبون اللهَ فاتَّبعوني يُحْبِبْكُمُ اللهُ}، وأعطى ربنا تبارك وتعالى صفة الفلاح لمن عظَّم ووقر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال تعالى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار".

 

حقيقة المحبة هي الاتباع

لابدّ في هذا المجال أن نذكرَ أنّ محبّة الاِنسانِ الفاضِل الكامِل ومودَّته توجب بنفسها صعودَ الإنسان في مدارج الكمال، فإنَّ الاِنسان إذا أحبّ شخصاً من صميم قلبه سعى إلى التشبّه به في حركاته وسكناته، وتحصيل ما يُسرُّ ذلك الشخص في نفسه وذاته، وترك ما يؤذيه ويزعجه.

ومن الواضح أنَّ وجودَ مثلَ هذه الروحيّة في الاِنسان توجب التحوّل فيه، وتبعَثُه على سلوكِ طريقِ الطاعة واجتنابِ طريقِ المعصيَة دائماً، إنّ الّذي يُظهرُ التعلُّقَ بأحدٍ ويتظاهر بمودته بينما يخالِفه في مقام العمل يفتقد المحبَّةَ الحقيقيّة.

تعصي الاِلَه وأنتَ تُظْهِرُ حُبَّه ... هذا لَعْمري في الِفعالِ بَديعُ

لَــو كانَ حُبُّكَ صادِقاً لأطعتـهُ ... إنّ المحبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيْع

 

من مظاهر الاتباع للنَّبي عليه الصلاة والسَّلام

السعي لتحقيق وحدة المسلمين

 

وحدة المسلمين كلمة تهفو إليها كل قلوب المؤمنين المخلصين لدينهم وربهم، وهدف سعى الى تحقيقه جميع الدعاة والمصلحين على مرّ التاريخ، ولا يشك أحد في عظمة هذا الهدف وأهميته العقلية والتشريعية، فكل ما دعا اليه الاسلام من عزّة ورفعة ومنعة وشوكة للمسلمين يتحقق في ظل الوحدة، ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم هي محور مهم من محاور وحدة المسلمين، وردت في السُّنة النَّبوية المطهرة أحاديث كثيرة تؤكد ما ورد في القرآن الكريم من الأمر بالوحدة والاجتماع والنهي عن الاختلاف والفرقة، ومن تلك الأحاديث: قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يرضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً فيرضى لكم: أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال".

مثال من سعي النَّبي عليه الصلاة والسلام لوحدة المسلمين

المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

 لقد اعتبر الإسلام المؤمنين كلهم أخوة، فقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات من الآية:10]، وأوجب عليهم الموالاة لبعضهم والتناصر في الحق بينهم، وعندما هاجر المسلمون من مكة إلى المدينة واجهتهم مشاكل متنوعة، اقتصادية واجتماعية وصحية، فمن المعروف أن المهاجرين تركوا أهليهم ومعظم ثرواتهم بمكة، كما أن مهارتهم كانت في التجارة التي تمرست بها قريش، ولم تكن في الزراعة والصناعة، وهما يشكلان أساسين مهمين في اقتصاديات المدينة، وبما أنَّ التجارة تحتاج إلى رأس المال، فإن المهاجرين لم يتمكنوا من شق طريقهم في المجتمع الجديد بسهولة، كما أن علائق المهاجرين بالمجتمع الجديد كانت حديثة، فقد ترك المهاجرون أهليهم ومعارفهم بمكة؛ مما ولَّد إحساساً بالوحشة والحنين إلى مكة، ولم يبخل الأنصار بشيء من العون، بل أبدوا من التضحية وضروب الإيثار ما استحقَّ الذكر في كتاب الله {وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر من الآية:9]. وقد بلغ مكارم الأنصار حداً عالياً عندما اقترحوا على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقسِّم نخلهم بينهم وبين المهاجرين؛ لأن النخل مصدر معيشة الكثيرين منهم، على أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من الأنصار أن يقوموا بإدارة بساتين النخيل ويحتفطوا بها لأنفسهم، على أن يُشرِكوا المهاجرين في التمر، كما وهبت الأنصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل فضل في خططها، وقالوا له: إن شئت فخُذْ منا منازلنا. فقال لهم خيراً، وابتنى لأصحابه في أراضٍ وهبتها لهم الأنصار، وأراض ليست ملكاً لأحد، وقد أثرت هذه المعاملة الكريمة في نفوس المهاجرين، فلهجت ألسنتهم بكرم الأنصار؛ فعن أنس قال: قال المهاجرون: يا رسول الله، ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل، ولا أحسن بذلًا من كثير، لقد كفونا المؤنة وأشركونا في المهنأ، حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله. قال: "لَا، مَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ وَدَعَوْتُمُ اللهَ لَهُمْ"، وقد طابت نفوس الأنصار بما يبذلونه لإخوانهم المهاجرين من عون، وتصوِّر بعض الروايات عمق التزامهم بنظام المؤاخاة وتفانيهم في تنفيذه، فمن النماذج الفريدة لهذه المؤاخاة ما حدث بين سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف المهاجري، حيث قال له سعد: "إن لي مالًا فهو بيني وبينك، ولي امرأتان فانظر أيهما أحب إليك فأنا أطلقها، فإذا حلت فتزوجها". قال: "بارك الله في أهلك ومالك، دلوني على السوق.." ولا شك أن المرء يقف مبهوراً أمام هذه الصورة الرائعة من الأخوة المتينة والإيثار المتبادل، الذي لا نشهد له مثيلًا في تواريخ الأمم السابقة والشاهد من هذا النموذج أن يشعر المسلم منذ أن يعتنق الإسلام ويدخل الإيمان إلى قلبه أن المسلمين جميعاً أخوة له {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات من الآية:10]، يرتبط بهم أشد الارتباط، ولا رابطة تجمعه إلى هؤلاء المؤمنين إلا الإسلام، أينما كانت ديارهم، ومهما كانت قومياتهم ولغاتهم، وأنه بدخوله في الإسلام قد اكتسب جنسية جديدة وانتسب إليها، وأنه قد خلع عند عتبتها كل ما كان يحمله من صفات جاهلية أو رواسب قديمة، وأن جميع أتباعها يبادلونه هذا الشعور ويحبون له ما يحبون لأنفسهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"، وأن هذه الرابطة أقوى من رابطة الدم واللغة والمصالح الاقتصادية والعلاقات المتبادلة، وأن المسلمين هم إخوته الحقيقيون، لا أشقاؤه من غيرهم.
 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل