التطبيع... مقابل الدولار والسلطة ـ د. نسيب حطيط

الإثنين 26 تشرين الأول , 2020 10:04 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

نجح الأميركيون بحروبهم الناعمة المتوحشة اقتصاديا وانسانيا، كبديل عن الحروب الساخنة والغزو والاحتلال وهاهم يتجهون لقيادة العالم العربي من دون الحاجة لغزوه او شن الحرب عليه...حيث لا تحتاج أي دولة من الممالك والامارات او أشباه الدول الا لمكالمة هاتفية لبضعة دقائق حتى يوافق الملك او الأمير او الحاكم على ما تطلبه اميركا والتعهد بتحمل تكاليف حفل التطبيع وتمويله وتكاليف التسويق والتغطية الإعلامية.

لم يبق من العرب الا قلة قليلة ولم يبق من الفلسطينيين الا قلة قليلة ولم يبق من المسلمين الا قلة قليلة ..اغلب الدول اعترفت وبالكيان الصهيوني وتم عقد زواج بين العقل الصهيوني والمال الخليجي باعتراف الخليجيين ..وبدأنا نشهد نشوء "إسرائيل الكبرى" من النيل الى الفرات عبر اتفاقيات تطبيع واستسلام وسيطرة على الأنظمة الحاكمة وثقافة الهزيمة والتطبيع ...

نجح الأميركيون بتطويع وتدجين الدول والحكام الا قلة قليلة... بالحصار الاقتصادي والمعيشي وجرّهم لطاولة المفاوضات الأحادية، حيث يقول الأميركي ويكتب ويوقع الطرف الآخر وعندما تبيّن لأميركا نجاح هذه الاستراتيجية ، بادرت لزيادة الضغوط على الدول والحركات التي لازالت تتمرّد وتقاوم المشروع الأميركي في غياب واضح لروسيا والصين بالمشاركة المؤثرة في المواجهة وحتى انهم تحولوا مع انهم دول عظمى الى دول تعاقبها اميركا بالحصار والعقوبات الاقتصادية، بل وتهددها عسكريا في الوقت الذي تتجرأ بعض الدول النامية او حركات المقاومة للتصدي والمواجهة وصولا لعرقلة وارباك المشروع الأميركي على الأقل في منطقة الشرق الأوسط.

لقد سقط السودان في فخ التطبيع بمكافأة متواضعة من صندوق النقد الدولي تبلغ 370 مليون دولار أميركي لا غير ...وسيعطى السودان بعض المساعدات بالقطارة للتنازل عن كل ما يطلبه الصهاينة وفي الحقيقة ان ما يعطى للسودان من ثمن بخس هو في الحقيقة خداع وسرقة ،لأن ما يعطى له"بالسنت " ياخذه الأميركيون والصهاينة بآلاف الأضعاف من الثروات الطبيعية الزراعية والمائية .وحتى الأيدي العاملة التي ستكون العنصر الرئيس في المصانع والمزارع الإسرائيلية في السودان .!

يطبع العرب مع الكيان الصهيوني ، اما للحفاظ على عروشهم وسلطة الحكام او تحت الضغوط الاقتصادية والجوع .حيث تحوّل الدولار الى سلاح الدمار الشامل الأميركي الذي يحتل قلوب وعقول الناس فتنصاع وترضى بما يرسم لها لأنها تعيش وفق معادلة صنعت لها وتعايشت معها، معادلة الشبع المحدود مقابل الإستسلام والخنوع، وان الكرامة وحماية الحقوق والأوطان والثقافة والعقيدة سيكون ثمنه الجوع والفقر والمرض ..اي الموت البطيء . فسارعت الشعوب الى الإستكانة والقبول وهذا اخطر نتائج الحرب الأميركية الناعمة لأنها تحاكي حركة الوعي وتؤسس لثقافة تامين رغيف الخبز مقابل التنازل عن الحقوق والكرامة والسيادة وحتى عن العقيدة..!

يقف العرب في صف طويل رسمه الأميركيون الذين صرحوا أن أكثر من خمس دول تنتظر ان يتم السماح لها بإعلان التطبيع مع الكيان الصهيوني .لقد اتخم الصهاينة تطبيعا ..ويطالبون بالتروي لهضم الدول المطبّعة لنهم لا يصدقون انهيار منظومة المقاطعة والممانعة .بهذه السرعة والمديح الذي يطلقه المطبّعون لفوائد التطبيع.

لا يعني كل ذلك ان الأمة قد سقطت وانهزمت بل هي لحظة تاريخية مأساوية في تاريخنا وعلينا العمل لعدم سقوط ثقافة الممانعة والصمود .بانتظار ان تتوفر ظروف أفضل وان نؤمن للأجيال القادمة فرصة الثورة للإنقلاب على الهزيمة وا لا نقيدهم بصكوك الإستسلام و الهزبمة ..فلا يزال في الأمة بعض بقع الضوء والكرامة والمقاومة والتي ستبقى وتتوسع لإعادة الحقوق وحماية الهوية والثقافة المرتكزة على الكرامة والعزة ..وان الحرب لم تنته ..وستعود شعوب هذه الأمة للإستيقاظ من كبوتها لإستعادة حقوقها وكرامتها  ؟


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل