أقلام الثبات

يبدو في الأفق توافق نسبي بين الأطراف الفاعلة في الملف الليبي على تقزيم الحرب هناك على الأقل، في ظل جهود مصرية لإخراج جميع العناصر المسلحة الأجنبية من ليبيا، وهنا كانت المعضلة الأولى أمام أردوغان من يجلس على مقعد طرابلس الاول فايز السراج أم فتحي باشأغا، خصوصاً أنه يدرك إن الداعمين لطرفي الحرب الليبية مقبلون على تقديم تنازلات والتضحية ببعض الأسماء كي يستمر المسار السياسي الذي بات الكل يدفع نحوه، كي تحافظ الولايات المتحدة وبريطانيا على الأقل على عدم إحداث خلل بين كفتي الصراع، بعد الخط الأحمر المصري على سرت والجفرة.

وكانت ثاني معضلة لأردوغان في ليبيا هي مصير المرتزقة الذين جلبهم إليها، في ظل الصراعات الجانبية بينهم في غرب ليبيا، حتى صار مصير مرتزقة أردوغان في ليبيا واحد من ثلاثة، الأول التجنيس بالجنسية الليبية والإنضمام لجهاز شرطة فتحي باشأغا، والثاني تركهم للموت على عتبات سرت إن تمادوا في غبائهم وطمعهم، والثالث سحب بعضهم من ليبيا إلى حدود أذربيجان مع أرمينيا، تجنبا لصراع فيما بينهم، ولمنح أردوغان الأفضلية في القوقاز كما كان في شمال سورية وغرب ليبيا، بعد أن تلقى الضوء الأخضر لإشعاله في يوليو/ تموز الماضي.

وبالتأكيد عندما تنشب المعركة بين أرمينيا وأذربيجان، لن تكون تركيا المتدخل الوحيد بميدان القوقاز بل معها إسرائيل في نفس الخندق والسبب جارة أذربيجان الجنوبية إيران، كي تكون المعركة ثلاثية الأبعاد، بحرب تبدو للعين المجردة بين أذربيجان وأرمينيا، وفي بعدها الثاني تركيا ضد أرمينيا، وإسرائيل ضد إيران، وفي بعدها الثالث الناتو ضد روسيا.

فهناك محور يجر روسيا عبر أدواته إلى حرب في أقرب نقطة لحدودها، وأبرز تلك الأدوات تركيا وأذربيجان وأوكرانيا، فتداعيات ضم روسيا للقرم2014م لم ولن تنتهي بعد، وطبعا تركيا أبرز الداعمين لأذربيجان وأوكرانيا معا، ولا ننسى تأييدها حق كييف في القرم، وكنيستها بالقسطنطينية أعطت شرعية إنفصال الكنيسة الأوكرانية عن كنيسة موسكو الأم، وتتار القرم (المرتبطون لغويا وعرقيا بتركيا) تبنوا كل العمليات التخريبية بالجزيرة.

و يبقى هناك نقطة واحدة فقط إيجابية لروسيا في عدوان أذربيجان على أرمينيا، وصمت الولايات المتحدة عن ذلك، هو أن رئيس الورزاء الأرميني الموالي للغرب صار مجبرا للهرولة نحو موسكو، وهذا ما لم يدركه باشينيان، بأن أرمينيا لا صديق لها إلا روسيا، كما هو حال الأكراد لا صديق لهم إلا الجبال، وكلهما يتأذى بشدة من أردوغان.

والأن وبعد مرور أكثر من 10أيام على الحرب بين أذربيجان وأرمينيا نستطيع القول أن أردوغان نجح في تحقيق هدفه الإستراتيجي البعيد من تلك الحرب إلا وهو خلط الأوراق مجددا، ووضع الأضداد في وجه بعضهم من جديد، كي يلعب هو على التناقضات بينهم، فإسرائيل التي إنزعج أردوغان بشدة من تطبيع علاقاتها مع الإمارات، حتى هدد بسحب سفيره من أبوظبي وليس من تل أبيب، اليوم أعادها مجددا الى صفه بعد أن ثبت أقدامها بالقرب من حدود شمال إيران، وقدم هدية غالية الثمن للدولة العميقة في واشنطن بخلق "شيشان جديدة"، في وقت حساس جدا قبل الإنتخابات الأميركية القادمة، التي يتخوف منها أردوغان سواء جائت نتيجتها ببقاء ترامب في الرئاسة أو بفوز جو بايدن بها، فالأول قد ينحاز للعرب بفعل موجات التطبيع، والثاني صرح بأن أردوغان ديكتاتور وسيسقطه من الداخل.

ولا عجب من تصرفات أردوغان فهو من وعدنا بأن يصلي في الأقصى قريبا فور توليه رئاسة تركيا منذ سنوات طويلة، وهو اليوم من يتوضأ بدماء المسلمين في العراق وسوريا وليبيا والصومال والأن بالقوقاز ولم ينته بعد.