سلمان يقدم لترامب وثيقة الإخلاص في الأمم المتحدة ـ أحمد شحادة

الخميس 24 أيلول , 2020 01:02 توقيت بيروت أقلام الثبات

السجل السعودي الأسود في الإرهاب

أقلام الثبات

لم يكن مفاجئاً هروب الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، في كلمته عبر تقنية الفيديو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، نحو اتهام حزب الله، فاعتبر أن " الشعب اللبناني الذي تعرض إلى كارثة إنسانية بسبب الانفجار في مرفأ بيروت"، فرأى أنّ ذلك يأتي "نتيجة هيمنة حزب الله الإرهابي (نفس التعبير الإسرائيلي) التابع لإيران على اتخاذ القرار في لبنان بقوة السلاح مما أدى إلى تعطيل مؤسسات الدولة الدستورية".

وشدّد على أن "تحقيق ما يتطلع إليه الشعب اللبناني الشقيق من أمن واستقرار ورخاء يتطلب تجريد هذا الحزب من السلاح".

واضح تماماً من هذا الموقف، أن مملكة الكاز الكبرى وعدت الشعب اللبناني بأنه لن ينعم بالاستقرار في ظل وجود الحزب الذي هزم كيان العدو، وحقق الانتصار عليه للمرة الأولى في تاريخ الصراع العربي ـ "الاسرائيلي"، محطماً معنويات "الجيش" الذي كان يعتبر يوماً "لا يقهر".

إذاً، ثمة تحريض واضح على الفتنة في لبنان، وهو بأي حال ليس جديداً على مملكة الكاز، فسجلها حافل بأعمال الإرهاب والقتل والإبادة الجماعية العنصرية والمذهبية، منذ اغتصاب بلاد الحجاز ونجد، قبل أقل من مئة عام.

وفي العقود الأربعة الأخيرة، لم تترك شكلاً من اشكال دعم الإرهاب التكفيري لم تستعمله وتنخرط به بشكل مباشر بدءاً من دعم تنظيم القاعدة منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي مادياً وبشرياً وتمويلاً وإشرافاً مروراً بتوفير كل أشكال الدعم للإرهاب في العراق بعد الغزو الأميركي في نيسان 2003، من أجل خلق فتنة مذهبية في بلاد الرافدين، تمنع المقاومة العراقية الحقيقية ضد اليانكي، من استكمال مهامها بطرد المحتل الإمبريالي الكبير.

ولاحقاً توسع دعم السعودية لكل أشكال الإرهاب التكفيري في شمال أفريقيا، كما حصل في ليبيا، منذ العام 2011، وفي بلاد الشام من خلال دعم وخلق داعش والنصرة واخواتهما، إلى درجة وصل الأمر بمملكة الكاز، لأن تصدر عفواً عاماً عن المجرمين الخطيرين في السعودية وتوفير مساعدات مادية لهم ولذويهم، مقابل أن ينخرطوا في القتال ضد الدولة الوطنية السورية، وهو ما دفع بحلفاء سورية وفي مقدمهم حزب الله للانخراط في مواجهة المشروع الخطير الذي يستهدف سورية بعد ثلاث سنوات من اندلاع الحرب الأميركية ـ الغربية ـ الخليجية على بلاد الشام، التي وصلت آثارها إلى لبنان من خلال سلسلة من اعمال الإرهاب والتفجير في العديد من المناطق اللبنانية، إضافة إلى انخراط مجموعات لبنانية على ولاء للسعودية بتوفير اشكال مختلفة من الدعم للإرهاب التكفيري، الذي أخذ يتلقى ضربات حاسمة من الجيش العربي السوري وحلفائه في محور المقاومة والممانعة.

ومع وصول الملك سلمان إلى العرش السعودي، بدأ في سباق مع الزمن على عدة محاور، فهو أولاً، يريد حسم الصراع على السلطة مع ما بقي من اشقائه، ومع أبناء اشقائه الراحلين، فانقلب على ولي عهده شقيقه الأمير مقرن وعزله من منصبه، ثم أطاح بولي ولي عهده ابن شقيقه محمد بن نايف، ليصير نجله محمد بن سلمان الحاكم بأمره.

كل ذلك، كان يلزمه توفير غطاء ورضا أميركي، وهذا ما وفره له الرئيس الأميركي العجيب دونالد ترامب، مقابل كم كبير من الابتزاز، وصل إلى حد تدفيع مملكة الكاز الكبرى تريليونات الدولار، وضخ أكثر من مليون برميل نفط يومياً فوق الكمية المحددة لها بعشرة ملايين وفق "اوبك"، مما أدى إلى هبوط مدوٍ في الاسعار العالمية، فتراجع سعر البرميل من نحو 120 دولاراً للبرميل إلى ما دون الأربعين دولاراً، مما جعل الخزينة السعودية في حالة عجز كبير فلجأت إلى الإقتراض لسد هذا العجز، الذي ترافق مع تصاعد الرافض لهذه السياسة الهوجاء على مستوى الأسرة السعودية الحاكمة، وعلى مستوى رجال الاقتصاد، وعلى المستوى الشعبي نتيجة تراجع التقديمات والخدمات وترهل البنى التحتية، لتتصاعد موجة الرفض مع الانخراط السعودي  الواسع في الحرب الهمجية على اليمن التي ظن بن سلمان وابوه أنها ستكون نزهة وتحسم بخمسين يوماً، لكنها تدخل الآن في سنتها السادسة والسعودية وحلفها تتلقى من الشعب الفقير والحافي الضربات الموجعة، بالإضافة إلى اعمال القتل الواسعة داخل السعودية نفسها، كما جرى ويجري في القطيف والمناطق الشرقية، واعدام علماء كالشيخ نمر واطفال وشباب وطلاب.

أمام هذه التطورات، كان الهروب السعودي الى الأمام، فاقدم الحاكم بأمره محمد بن سلمان على اعتقال أولاد عمومته ورجال أعمال وزجهم في سجن "ريتز"، ولم يفرج عنهم إلّا بشروط هي انتزاع معظم ثرواتهم وممتلكاتهم التي اصبحت ملكاً شخصيا، من دون ان تستفيد منها خزينة الدولة التي اصبحت في عجز كبير، وكان من بين هؤلاء المعتقلين رئيس حكومة لبنان سعد الحريري الذي مورسى في حقه كل اشكال الضغط والاكراه، وكان لموقف الرئيس ميشل عون والسيد حسن نصر الله ومعهما مانويل ماكرون دورهم المؤثر في الافراج عن الحريري.

لم تؤد هذه الخطوات الإرهابية لمحمد بن سلمان الذي يعتبر هو الحاكم الفعلي للسعودية لتخفيف المعارضة لنهجه، التي اتسعت لتطال اشخاصا كانوا دائما من أهم المدافعين عن أسرة آل سعود، كحال الصحافي جمال الخاشقجي الذي قُطّع إربا إربا في تركيا على يد مخابرات السعودية كما امتلأت السجون بالرافضين للنهج السليماني، وهو ما دفع بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في 7 آذار 2019 لأن يصدر، قرارا استثنائيا دان من خلاله السجل الأسود للنظام السعودي في مجال حقوق الانسان. واعتبر القرار الذي وافق عليها ممثلو 36 دولة بينهم 28 دولة بالاتحاد الأوروبي ان النظام السعودي يملك سجلا كارثيا في مجال حقوق الانسان وطالب الملك السعودي وولي عهده بالإفراج عن النشطاء والتعاون مع التحقيق الأممي بشأن قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي. وبحسب وكالة "رويترز" فإن "التوبيخ" الذي وجه للسعودية هو الأول ضدها، منذ تأسيس مجلس حقوق الإنسان عام 2006 ومقره جنيف، واعتبر مبعوث أوروبي في تصريح البيان أنه "نجاحُ للاتحاد الأوروبي". وبحسب المنظمات الحقوقية الدولية فان النظام السعودي تماد جدا في ملف حقوق الإنسان في البلاد ووصل هذا الملف إلى وضع "مزرٍ للغاية"، فقد تعرض عدد من منتقدي الحكومة والأكاديميين ورجال الدين والمدافعين عن حقوق الإنسان، للمضايقة والاعتقال والمحاكمة على أيدي السلطات في مواصلة لقمع نشطاء المجتمع المدني. واكدت المنظمات الحقوقية ان النظام السعودي يقوم بشراء مواقف بعض الدول مباشرة او من خلال صفقات تجارية من اجل التعامي عن الانتهاكات التي يشنها ضد المواطنين داخل البلاد وعدم ادانته في المحافل الدولية".

ماذا يريد الملك سلمان؟

 هو ببساطة يريد حسم مسألة السلطة ووراثتها لمصلحة عائلته من صلبه وتكريس وريثه المغرور محمد الملك البديل، الذي يطمح لأن يكون كالملك لويس الرابع عشر، "أنا الدولة"، "L’ etat c’est moi"


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل