حكومة دياب تمهد لـ "كاظمي" لبناني ـ عدنان الساحلي

الجمعة 03 تموز , 2020 11:03 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

كل الدلائل تشير إلى أن حلف الفساد، المكون من زعماء الطوائف وأصحاب المصارف، المتحكمين برقاب اللبنانيين، يعمل حثيثاً على ترتيب صفوفه واستعادة لياقته، التي تضررت بانتفاضة اللبنانيين ضد الفاسدين في 17 تشرين الماضي. ويسعى لإدامة تسلطه الممتد منذ أكثر من ثلاثة عقود من النهب والفساد، من خلال الترويج لإستعادة أحد أبرز أركان هذا التحالف السلطوي، سعد الحريري، ليترأس مجدداً حكومة "وحدة وطنية"، تكون حكومة توافق على المحاصصة والنهب، على غرار الحكومات التي طالما إشتكى اللبنانيون من جرائمها المتنوعة بحقهم.

واذا ما تحقق ذلك، يكون قد صدق الذين تنبأوا لحكومة حسان دياب، بأنها حكومة تصريف أعمال وتقطيع وقت. وأنها حكومة الإعداد لعودة سعد الحريري، على صهوة فشلها في مواجهة الفقر والجوع والأزمات العميقة، التي نتجت عن السياسات المالية والإقتصادية لحكومات الحريري ذاته؛ وسياسة والده رفيق الحريري من قبله، التي دفعت لبنان إلى مستنقع الديون ودمرت إقتصاده وأغرقته تحت ديون لا طاقة له بدفع فوائدها. في مؤامرة إفتضحت منذ التسعينيات، تهدف إلى إجبار لبنان تحت طائلة الديون والفقر والجوع، للقبول بالإنضمام إلى قافلة المستسلمين أمام المشروع الأميركي-"الإسرائيلي"، الذي يريد من لبنان سلة مطالب، ليس أقلها التنازل عن أرض ومياه وثروات سيادية، لصالح الأطماع التوسعية الصهيونية. إضافة إلى التعري من كل عناصر القوة، بدءاً من سلاح المقاومة، وصولاً إلى نسيان قضية فلسطين وتوطين اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين فيه، لأن للعدو "الإسرائيلي" وحاميه الأميركي مصلحة في ذلك.  

فشلت لعبة سعد الحريري في تشرين الماضي، بقيادة ما سمي "الثورة ضد الفساد"، للوصول إلى التفرد بالسلطة وتشكيل حكومة مستشارين، يختارهم له صندوق النقد الدولي والسفارة الأميركية. حكومة تلبي المطالب الأميركية و"الإسرائيلية" من لبنان. وتحقق حلم الحريرية السياسية بعهديها، بجعل لبنان "إمارة" على شاكلة المناطق السعودية، يحكمها الحريري وتلحق بمملكة القمع والتخلف الوهابية المتصهينة.

لكن البديل كان حاضراً، بحكومة أكثر من نصف أعضائها يحملون الجنسية الأميركية، أو هم موظفون في مؤسسات أميركية، بمن فيهم رئيسها، لا يجرؤون على حماية اللبنانيين من حرب التجويع الأميركية، التي تشن عليهم. كما يعجزون عن كف يد حاكم مصرف لبنان، أداة السفارة الأميركية مع أصحاب المصارف والسياسيين الفاسدين، في نهب مال الدولة والمودعين وتهريبها إلى خارج لبنان، وافتعال حالة عطش للعملات الصعبة في لبنان، خصوصاً الدولار الأميركي، لضرب قيمة الليرة اللبنانية وتعطيل القدرة الشرائية للبنانيين، ليسهل إخضاعهم وتخييرهم بين القبول الذليل بالإملاءات الأميركية و"الإسرائيلية"، أو الموت جوعاً. في حين تعمد المصارف بأوامر أميركية وتواطؤ كبار السياسيين مع أصحاب المصارف، إلى حجز إيداعات اللبنانيين في تلك المصارف، في وقت يتولى فيه حاكم مصرف لبنان اللعب في سوق الصرف بتعاميم متناقضة، ليجعل من قيمة الليرة "حزورة" ومن الدولار طائراً محلقاً، لا يمكن التقاطه بأي ثمن.

ثار اللبنانيون على حكومة الفساد التي يرأسها سعد الحريري فاستقال، لكن حلفائه الفاسدين كانوا بالمرصاد، فانقسموا على ذواتهم بين "ثائر" ومتحفظ. "ثائر" إستولى على الحراك الشعبي وسرقه من بين أيدي الجائعين والصادقين في حراكهم ضد الفاسدين. وهكذا قام قاطعو الطرق من عناصر ومؤيدي أحزاب السلطة وزعامات الفساد، بالتحكم بحركة الشارع لمنعه من إيصال صوته الصادق ضد طغمة الفساد المتضامنة. أما المتحفظ، فكان راعياً للحكومة الجديدة، التي لم يغب عنها تمثيل خاطفي الثورة.

وبعدما تشكلت حكومة حسان دياب، شاهدنا كيف أن بعض أبرز المفترض أنهم داعميها، يضعون العصي في دواليبها ويحاصرونها في الملف المالي، ويمنعونها من سلوك درب ملاحقة الفاسدين. وهذا باعتراف رئيسها وبعض وزرائها. وشاهدنا سياسيين ومرجعيات لا يخجلون من الرفض العلني ومن على شاشات التلفزة، لمطلب معظم اللبنانيين إقالة الحاكم بأمره رياض سلامة، الذي لم يخف الأميركيون تمسكهم بوجوده في منصبه. وبأنه يتعاون معهم في خططهم في لبنان. فسلامة وباعتراف الأميركيين، ينفذ سياستهم في حصار لبنان وإفلاسه وإفقار شعبه وتضييع أمواله، لإخضاعه لمطالبهم والحاقه بصفقة القرن الصهيونية.

ومن جانب حكومة دياب، لم يخلو يوم من الدعسات الناقصة لوزرائها، بين وزراء معنيين يصابون بالخرس والجبن عن اتخاذ موقف من توقيف العميل عامر الفاخوري ومن ثم تهريبه. إلى وزير مالية حائر بين علاقته بأصحاب المصارف وبين أرقام الخسائر الرسمية، التي تدين هؤلاء في تعاملهم مع أموال اللبنانيين. إلى وزيرة عدل تنتقم لشرف السفيرة الأميركية من قاض وطني شريف، مارس وظيفته في منعها من بث الفتنة بين اللبنانيين. إلى إرتباك بعضه مقصود لمنع إعادة العلاقات الطبيعية والضرورية للبنان مع سورية. إلى وزيرة إعلام لا تعرف هل هي مع سجن الصحافيين، أم مع حصانة كلمتهم وحريتها. ووزيرة دفاع تعمل ساعية عند السفيرة الأميركية، فتوزع على زملائها قانون "قيصر" الأميركي العدواني، وكأنها وزيرة أميركية في الحكومة اللبنانية.

كل ذلك يحضّر المسرح السياسي اللبناني، لحكومة كاظمي آخر، مستنسخ عن رجل أميركا في العراق، مصطفى الكاظمي "التوافقية". وهي شبيهة بحكومات الوحدة الوطنية اللبنانية، بعد أن نقل الأميركيون إلى العراق التجربة اللبنانية "الفذة"، في تفتيت الشعب وتحويله إلى طوائف متناحرة وشعوب يديرها زعماؤها. فهل يفرض الحريري شروطه التي يتمسك بها للعودة إلى السراي، أم يكلف "كاظمي" ما، يكون نسخة عن فؤاد السنيورة، يمثله في تنفيذ ما تبقى من أجندة أميركية؟   


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل