رمضان في الخليل العتيقة

السبت 16 أيار , 2020 02:48 توقيت بيروت ثقافة

الثبات ـ ثقافة

غصة وحزن تخترق شوارع بلدة الخليل القديمة، التي بدت على غير عادتها في شهر رمضان هذا العام، فلم تتزين حاراتها وأزقتها وشوارعها بالإنارة الرمضانية والفوانيس الملونة، التي كانت تميزها وتتسم بها، وتحولها إلى قبلة للبهجة والفرح التي سرقها الاحتلال ومستوطنوه، بقراراته تهويد الحرم الإبراهيمي الشريف، الذي يعاني من هجمة استيطانية شرسة ومنظمة، وتدابير احتلالية تصاعدت وازدادت باستغلال جائحة كورونا في الوقت الذي تمنح للمستوطنين وانصارهم من حركات عنصرية، تطمح للعودة والاقامة فيما تزعم أنها مدينة الاجداد.

وشهدت بلدة الخليل العتيقة، التي تشتهر بمتاجرها الشعبية الضيقة والتقليدية، وتتميز بأسعار سلعها الزهيدة، انخفاضاً في إقبال المواطنين بهذا الشهر الفضيل، الذي كان يشهد نشاطاً وحيوية ملحوظة، بتوافد المتسوقين إليها من مناطق مختلفة من المحافظة، خاصة في الساعات التي تسبق الإفطار، حيث تفوح رائحة التوابل المنبعثة من الاسواق، ونداءات التجار، ورائحة القطايف المعطرة والكنافة والمكابيس والمخلالات، التي تزاحم أُنوف الصائمين.

واستذكر الحاج صبحي الشوامرة، صانع القطايف الشهير في البلدة القديمة، رمضان أيام زمان، مشيراً إلى أن البلدة القديمة كانت تعج بالمتسوقين، مضيفين الى شهر رمضان البهجة والفرحة والخير الكثير، موضحاً أنهم ينتظرون الشهر الفضيل ويعتمدون عليه كثيراً، لافتاص إلى أن يوم عمل في رمضان يغني عن السنة بكاملها، حيث توجد محال تجارية لا تعمل إلا في هذا الشهر الكريم.

وأضاف: إن الحركة التي كنا نشهدها الأعوام الماضية انخفضت، ولم نعد نرى التزاحم والتهافت على القطايف والحلويات والمخابز التي تبيع منتجاتها المدعومة بأسعار زهيدة مشيراً إلى أن تفشي فيروس كورونا، وما تبعه من قرارات تقضي بالتباعد الاجتماعي واغلاق الحرم الإبراهيمي، وإلغاء كافة الفعاليات الرمضانية حفاظاً على السلامة العامة من أسباب هذا الانخفاض، بالإضافة إلى الاحتلال الذي لا يروق له مشاهد تواجد المواطنين في البلدة القديمة.

خطر التهويد

ولم يعد خافياً على أهالي الخليل، وعلى المستويين الرسمي والشعبي، أن مدينتهم وبلدتها القديمة وحرمها كانت ولا تزال مستهدفة منذ بداية احتلالها عام 67 ببرامج الترحيل والتهويد متعددة الأشكال والألوان ضمن محاولات الاحتلال لتهويد المدينة وتحويل الحرم الإبراهيمي الشريف إلى كنيس يهودي، حيث لم يعد هذا التحويل مجرد حلم لدى الاحتلال ومستوطنيه، كما لم يعد ترحيل سكان بلدة الخليل القديمة وتفريغها سيناريو أو مجرد مرحلة، بل تحولت بالفعل إلى مستوطنة كبيرة، فمنازلها خاوية ومحلاتها التجارية مغلقه والوصول إلى الحرم صعبٌ بسبب الحواجز والبوابات الحديدية والإلكترونية والاجراءات التعسفية لجنود الاحتلال والمستوطنين، وبلغت ذروة هذه الاعتداءات بتنفيذ مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخامس والعشرين من شباط عام 1994، وقامت قوات الاحتلال بمعاقبة المجني عليه وقسمت الحرم إلى قسمين، قسم خاص بالمسلمين وقسم آخر لليهود، واستمرت هذه الاعتداءات إلى إدخال الاحتلال حجارة منحوتة ومنقوشة عليها أحرف باللغة العبرية، وجسور معدنية لصحن الحرم، تمهيداً للقيام بأعمال بناء في منطقة الصحن (الساحة بين مقامات الأنبياء الشريفة) في خطوة لتهويده بالكامل وتغيير معالمه الإسلامية إلى أُخرى يهودية، وآخرها قرار المصادرة لتركيب مصعد كهربائي وجسر لتغيير معالمه الإسلامية والتراثية.

إنهاء الوجود

وقال عماد حمدان، مدير عام لجنة اعمار الخليل، إن ما تقوم به قوات الاحتلال داخل الحرم هو انتهاك خطير لإسلامية وعروبة هذا المسجد الاسلامي المقدس، وتغيير لمعالمه الإسلامية والتراثية، مضيفاً أنه تدخلٌ سافرٌ في شؤون المسلمين وأماكن عبادتهم، مشيراً إلى أن ذلك يبرز الوجه الحقيقي للاحتلال الاسرائيلي الذي يدعي محافظته على حرية الأديان وأماكن العبادة، ومخالف لكافة الاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال الاسرائيلي وتقرير لجنة شمغار الإسرائيلية بخصوص الحرم، وهذه الإجراءات هي ضمن خطوات تقوم بها قوات الاحتلال تمهيداً لتهويده بالكامل وإنهاء للوجود الإسلامي العربي فيه.

وأضاف: إن الاحتلال لطالما حاول تغيير معالم الحرم الإبراهيمي ضمن مسلسل التهويد لمدينة الخليل، مشيراً إلى أنه كانت هناك المحاولة تلو الأُخرى لتغيير معالم الحرم الإبراهيمي، لكنها كانت تفشل، كون المؤسسات الرسمية والشعبية ترفض هذا الإجراء موضحاً أنه ضمن مسلسل الاستيلاء والاستحواذ والضم استطاعت إسرائيل أن توظف الجائحة لإرادة وحساب المستوطنين في الخليل، الذين ارتكبوا مذبحة في الحرم الإبراهيمي في شهر رمضان المبارك، تحت سمع وبصر الجيش الإسرائيلي الذي يحيط بالحرم الإبراهيمي من كل جانب.

يجب مواجهته

واعتبر تيسير أبو اسنينة، رئيس بلدية الخليل، قرار الاحتلال منطق البلطجة والقوة، وهو يرسل رسالة أنه لا جدوى من الجلوس والاتفاق معه، مضيفاً: إن الاحتلال يلعب بالنار ويجرنا ويعيدنا إلى ما لا تحمد عقباه.


تعدٍّ خطير

وبيّن الشيخ جمال أبو عرام، مدير أوقاف الخليل، أن الحرم الابراهيمي عنوان الخليل وقلبها، لم يسلم من محاولات الهيمنة والسيطرة، مشيراً إلى أن الاحتلال أغلق الحرم وأصبح فارغاً من المصلين، خاصةً في رمضان الذي كان يكتظ بالمصلين ويمنع دخوله إلا لبعض السدنة لتفقده بحجج واهية وهي فيروس كورونا، في الوقت الذي تُقدَّم فيه للمستوطنين كافة التسهيلات.


مرتبط بمقامات الأنبياء

ويعتبر الحرم الشريف، الذي يقع في قلب الخليل العتيقة، من أكثر الأماكن الإسلامية قدسية في فلسطين، بعد المسجد الأقصى المبارك في القدس، ويرتبط اسمه بمقامات عدد من الأنبياء وزوجاتهم والتابعين والصالحين، من بينها مقامات الأنبياء: إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام وزوجاتهم سارة ورفقة وليقا، إضافة إلى قبر سيدنا يوسف عليه السلام.

وأشار إلى أن سيطرة الاحتلال تزيد على 60% من مساحة الحرم الإبراهيمي، وأن مفاتيح البوابة التي تفصل بين شطري الحرم المقسمة بين المسلمين واليهود بيد الاحتلال الذي يقوم بمنع رفع الأذان فيه، بسبب وجود غرفة الأذان في الجزء الواقع تحت سيطرته المباشرة، مضيفاً أن عملية الوصول إلى الحرم يمارس الاحتلال فيها أبشع صور الإذلال والإهانة والاعتداء على الحقوق المقدسة للمواطنين.

وأوضح أبو اسنينة أن الحرم الإبراهيمي يتكون من أربعة أجزاء رئيسة، هي: مبنى المصلى الرئيس، والصحن المكشوف، والأروقة والقباب المحيطة بالمصلى، وكذلك مسجد الجاولية نسبة لبانيه "أبو سنجر الجاولي"، ويقع في الجانب الشرقي من الحرم، وأيضاً غرفة سيدنا يوسف عليه السلام، حيث يوجد قبره، وهي ملاصقة للجدار الغربي، وكذلك ساحة الحرم الشريف بما تحويه من مبان أثرية كبرج السلطان سليمان وغيره، مشيرا إلى أن الحرم الإبراهيمي، تعرض لعدد كبير من الاعتداءات من قبل جنود الاحتلال والمستوطنين منذ العام 1967، تنوعت بين اقتحام وإحراق لسجاده وسرقته والعبث بمحتوياته، ولعل أبرز هذه الاعتداءات المجزرة البشعة التي ارتكبت بحق المصلين المسلمين فيه، وأودت بحياة نحو 29 مصلياً وإصابة العشرات منهم، عندما قام المستوطن المتطرف "باروخ غولد شتاين" بإطلاق الرصاص عليهم أثناء سجودهم في صلاة يوم الجمعة في 15 من رمضان عام 1994م، وقام الاحتلال عقب تلك المجزرة، بفرض نظام حظر التجول على المواطنين في المدينة لأكثر من شهر، وتقسيم الحرم إلى قسمين ليتمتع المستوطنون اليهود بجزء كبير منه، ويحرم المواطنون من دخول هذا الجزء، لافتاً إلى مخاطر ومخططات الاحتلال الرامية إلى تهويد الحرم والبلدة القديمة وإقامة ما يسمى "الخليل اليهودية".


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل