سورية حاسمة في صراعات الإقليم أيضاً

الثلاثاء 11 شباط , 2020 08:55 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

الاضطرابات منتشرة في العالم العربي وتخترق أرجاءه بسرعة تواكب تدخل التورط الخارجي المرتدي أقنعة أميركية وتركية وإسرائيلية تجد الكثير من العرب في خدمة مشاريعها.  

لكن الاستنتاج الاساسي من هذه الصراعات أنها تبدو شديدة المحلية وتقتصر على الأنحاء المتعلقة بها، باستثناء الازمة السورية التي تتسم بمحدودية داخلية، مع اتساع كبير في دائرة تأثيراتها على الدول العربية المجاورة، وبالتالي على معظم أنحاء الشرق والعالم العربي.  

هذه هي سورية التي تمتدّ الى لبنان لتشكل جزءاً كبيراً من صراعاته مع الحلول المحتملة لها.  وتُمسك بفلسطين وكأنها واحدة من محافظات سورية يحتلها العدو الإسرائيلي وتتمسك دمشق بها، ما يجعلها هدفاً للتغطيات الدولية لـ«اسرائيل» وهم الأميركيون والأوروبيون وكثير من الدول العربية.  

ولها أيضاً تأثير على الاردن وتناغم كبير مع العراق يرتدي احياناً أشكال تنافس مع فروع في أحيان أخرى للتنسيق.  لكن سورية تجد نفسها سداً في مواجهة مطامع العثمانيين الأتراك فتقاتلهم بشكل مفتوح، سياسياً وحسب الأزمات عسكرياً.  

إن هذه المهام السورية التاريخية التي بدأت منذ تقسيم الاستعمارين الفرنسي والإنجليزي لسورية بعد سقوط الاستعمار العثماني في 1917 أعطتها مسؤوليات تاريخية ومنحتها تأثيراً إقليمياً أصبح فيه القرار السوري مصدر إرشاد إقليمي تربط الدول مواقفها الإقليمية بالموقف السوري على الرغم من الهجوم الأميركي – التركي – الإسرائيلي وتنظيمات ارهابية واخرى تنتحل الصفة السورية.  

بذلك تندرج معارك الجيش السوري في ادلب وارياف حلب ضمن مهمة القضاء على الدور التركي ليس في سورية بمفردها وإنما في الإقليم، مع حصار العدوانية الأميركية والاسرائيلية.  

ولو لم يكن هجوم الجيش السوري متمكناً من أهدافه لما وافقت الوحدات الكردية في الشمال والشرق السوريين على المجيء الى قاعدة حميميم للتفاوض مع الدولة السورية برعاية الروس.  

وكانوا يعملون سابقاً على الانفصال عن بلدهم سورية بالاشتراك مع زعماء عشائر عربية أثرت فيهم السعودية والإمارات لإنشاء دولة مستقلة من الحدود مع تركيا حتى الحدود مع العراق بمحاذاة نهر الفرات.  

ما يقتضي الإعلان ان هذه الدولة الانفصالية ماتت دفعة واحدة، وماتت معها المشاريع الأميركية – السعودية في تلك المنطقة.  يتضح اذاً ان الدولة السورية تقاوم منذ عقد من الزمن اوسع تحالف عربي – إسرائيلي غربي لا يزال يستهدفها عسكرياً وبالخنق الاقتصادي.  

فتبين أن الدولة السورية متماسكة بشكل قويّ وجيشها موالٍ لها ومقاتل بإيمان عميق لا يتأثر بأساليب الفتن الطائفية والعرقية، بالاضافة الى احترافيته التي ترفع من درجات قوته.

اما العامل الذي صعق منظمي الحرب على سورية، فهو الشعب السوري الذي يلتف حول دولته متحمّلاً القصف القاتل والجوع والغلاء ورافضاً اساليب التحشيد.  هنا يجب الانتباه الى ان مئات ملايين الدولارات الخليجية عجزت عن شراء مدنيين سوريين لاستعمالهم إعلامياً في وجه الدولة السورية أو عسكريين للاستخدامات نفسها.  

بالمقابل يسأل المحللون ماذا كان حلِّ بالشرق العربي لو انهارت الدولة السورية؟  إن هذه الفرضية المستحيلة لها تداعيات داخلية وإقليمية واولها الاتجاهات الأميركية الاسرائيلية التركية لتقسيم سورية الى دويلات مستقلة على اساس طائفي تستطيع امتصاص القوة السورية التاريخية وبالتالي قوة دولتها خارجياً وداخلياً بالإضافة الى مطامع تركيا بضم مناطق إدلب وعفرين وشريط الحدود الشمالية بعمق ثلاثين كيلومتراً.  

فيترتب على هذا التقسيم تحوّل سورية دويلات ضعيفة موالية للأميركيين وقابلة للتطبيع مع الكيان المحتلّ، هذا يؤدي على الفور الى إنهاء القضية الفلسطينية بأكثر من المطروح في صفقة القرن، ومن دون مقاومة لأن قطاع الشجعان في غزة يصبح بلا حليف وإسناد، ما يجعل مشاريع توطين الفلسطينيين في لبنان وسورية والأردن وصحراء الأنبار العراقية قابلة للتنفيذ من دون اي اعتراض ما يكشف ان صفقة القرن هي بديل من مشروع تقسيم الشرق الأوسط انما بالأهداف نفسها لأن توطين الفلسطينيين في الاردن يعني إنهاء المملكة الهاشمية بالغلبة الديموغرافية، وهذا يشابه أي توطين للفلسطينيين في لبنان لأنه يُهشّم الكيان السياسي اللبناني مسقطاً دولته وبسرعة برق عابر.  

اما العراق فإن توطين الفلسطينيين في إحدى محافظاته في الأنبار لا يتمّ إلا مع تقسيم العراق الى ثلاثة كيانات كردية وسنية وشيعية، اليس هذا ما أراده المشروع الأميركي لتقسيم المنطقة منذ 1990 وما الفارق بينه وبين صفقة القرن؟  

إن سورية هي الوحيدة القادرة بصمودها على التأثير الإقليمي في لبنان وفلسطين والاردن والعراق لتدمير صفقة القرن، وتدحرج هذا التأثير على المستوى العربي مستحوذاً على تأييد شعبي كبير يرغم معظم الدول العربية على رفض صفقة القرن والتمسك بفلسطينية فلسطين وسوريّتها وعروبتها.  

ففيما ترسل مصر سراً وفوداً عسكرية من جيشها ومخابراتها الى غزة لمنعها من إطلاق صواريخ على اسرائيل في مرحلة الانتخابات فيها، يواصل الجيش السوري دعم الفلسطينيين بكل ما لديه من قوى، ومواصلاً تحرير بلاده تدريجياً في منطقة ادلب ومنتشراً في وجه الأميركيين في شرق الفرات.  

فهذا الجيش مؤمن بأن تحرير سورية هو تحرير لفلسطين ودعم للعراق واليمن ولبنان وله دور أساسي في نسف صفقة القرن على قاعدة الإنهاء التدريجي للنفوذ الأميركي في الشرق الأوسط.

 

د. وفيق إبراهيم ـ البناء


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل