الحياد إنحياز للمعتدي ـ عدنان الساحلي

الجمعة 10 كانون الثاني , 2020 09:35 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات 

كلما مرّ لبنان بمنعطف خطر، خصوصاً إذا كان متعلقاً بالصراع الدائر في منطقتنا العربية، في مواجهة الغزوة الصهيونية المدعومة من الغرب؛ وخصوصاً من الولايات المتحدة الأميركية ومن أتباعها من الحكام والأنظمة الخاضعين لنفوذها، تخرج أصوات تكرر نفسها في الدعوة إلى تحييد لبنان وكأنه جزيرة معزولة عن محيطه وجواره.

تنسى أصوات "الحياد" تلك، أنها هي في الأصل لا تتعامل مع قضايا المنطقة بحياد وتجرد وصدق، بما يحمي لبنان من تداعيات ومخاطر الصراعات الدائرة فيها، بل أنها لعبت وتلعب أدواراً خبيثة تتراوح بين التواطؤ والتحريض والمشاركة المباشرة في مختلف القضايا وحسب مصالحها وارتباطاتها السياسية. وموقف أصحاب هذه الأصوات من الحرب التي شنت على سورية دليل إدانتها، بأنها تكذب عندما تطالب بالحياد عن صراعات المنطقة. فهي شاركت بشكل أو بآخر، في دعم العصابات التكفيرية وفي تحريضها على الدولة السورية؛ وما تزال تطلق المواقف الحاقدة على سورية وقيادتها. كما أن مواقفها من الحرب الأميركية-السعودية على اليمن وقتل وتجويع شعبه؛ والعدوان الأميركي على العراق والتهديدات ضد إيران، تكذب دعوتها للحياد وتضعها في خانة أسوأ من موقع الذين «خذلوا الحقَّ ولم ينصروا الباطل»، فهي تخذل الحق وفي الوقت نفسه تنصر الباطل.

تريد أصوات الحياد لبنان بلداً منزوع السلاح عديم القدرة، ليس فقط على مواجهة العدوانية "الإسرائيلية"، بل وعاجزاً عن رفض أطماعها المدعومة أميركياً في الأرض اللبنانية وفي الثروات التي لم تستخرج بعد من باطن المياه الإقليمية، مقابل شواطئنا البحرية. لذلك، يبدو شعار الحياد، خصوصاً من قبل أصحابه ورافعيه، مجرد خدعة "حربية" أو سياسية ليس إلاّ، هدفها مناصرة العدو بالفعل السلبي طالما هم عاجزون عن دعمه بشكل مباشر. وسكوت دعاة الحياد عن الخرق "الإسرائيلي" اليومي والمستمر للأجواء والمياه والأرض اللبنانية، دليل دامغ على تواطئهم مع هذا العدو.

ومما يلفت أن أبرز الدعاة إلى تحييد لبنان، هم أصحاب الشعار الذليل "قوة لبنان في ضعفه"، في تناقض مع حقيقة هؤلاء، فهم شرسون مجرمون في الداخل، أدخلوا لبنان في حروب أهلية دمرت الحجر وقتلت عشرات آلاف البشر. فكيف يستوي شعار "قوة لبنان في ضعفه" مع من أنشأ أول ميليشيا لبنانية دربها وسلحها بدعم مباشر من العدو "الإسرائيلي"، ثم إنبرى مطالباً ببقاء الدولة ضعيفة لا تسلح جيشها ولا تمتلك عناصر القوة، حتى إذا ظهرت مقاومة شعبية مسلحة، قامت بملء هذا الفراغ وقدمت التضحيات، إرتفعت أصوات الحياديين تشكك بدورها وبشرعية هذا السلاح، الذي حمل على عاتقه الدور الأول في حماية لبنان من العدوانية الصهيونية ومن الخطر التكفيري، الذي تسرب إليه من تداعيات الحرب على سورية.

والحياد في حقيقته، مطلب أميركي –"إسرائيلي"، لأن هذا العدو يريد إستفراد القوى التي تواجه المشروع الأميركي- الصهيوني في المنطقة، دولاً كانت أو تنظيمات. ولنعتبر من "تحييد" الكيان الصهيوني نفسه عن جريمة إغتيال المجاهدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ورفاقهما، عندما تطلبت مصلحة الرئيس الأميركي أن ينسب لنفسه قرار تنفيذ هذا العدوان.

وهو لا يختلف عن موقف "الحياديين" اللبنانيين في خدمته لأغراض المعتدي وسكوته عن جرائمه، لان حيادهم هنا يعني عدم إدانة الجريمة الأميركية في تعديها على السيادة العراقية وقتلها عراقيين وضيوفهم.

وإذا كان لبنان معني بحماية أرضه ومنع "الإسرائيلي" من إعادة ترسيم الحدود مع فلسطين المحتلة وفق مشيئة الإحتلال. وكذلك، هومعني بالدفاع عن ثروته الموعودة في النفط والغاز، التي يضغط الأميركي على لبنان ليتنازل عن جزء منها للعدو "الإسرائيلي"، فلمن تخدم فكرة الحياد وعدم تمتين ألأواصر مع قوى المقاومة، لتشكيل جبهة حماية تردع العدو عن عدوانه وعن تنفيذ أطماعه، غير تقديم خدمة مجانية غير بريئة لهذا العدو؟

كما يمعن هؤلاء "الحياديون" في تعاميهم عن تدخلات السفارة الأميركية في مختلف الشؤون اللبنانية. ويتجاهلون الضغوط والتهديدات التي يمارسها الموفدون الأميركيون إلى لبنان. ويصمتون صمت القبور تجاه التواجد الأميركي في لبنان، المقنع بستار مستشارين وجنود يتواجدون في مطاري حامات ورياق وسفارة عوكر. علماً أن الدول التي سبق ومارست الحياد في الصراعات الإقليمية والدولية لم تنجح في الهروب من الخطر الداهم؛ ولم تسلم من استقواء المنتصرين وتسلطهم على كل من لا يمتلك عناصر القوة والمهابة.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل