إغتيال وطن ـ عدنان الساحلي

الجمعة 13 كانون الأول , 2019 11:15 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

لم يكن بالإمكان منذ سنة، أو حتى منذ أشهر عدة، توقع رؤية وزير الخارجية في الحكومة المستقيلة جبران باسيل، زائراً رئيس المجلس النيابي نبيه بري، في قصره بعين التينة وهما يتبادلان الإبتسامات وعلامات الود طاغية على مشهدية اللقاء. فباسيل لم يترك "للصلح مطرح" مع بري، عندما تطاول عليه في وقت سابق، بأوصاف وعبارات لا تختلف عن الشتائم التي يستعملها "ثوار" هذا الزمن الرديء، تعبيراً منهم عن مشروع تغيير لا يعرفون كيف يبدأ ولا كيف ينتهي، خصوصاً بعد التبني الأميركي للحراك الدائر في الشارع اللبناني، إن كان عبر المطالب التي أعلنها السفير الأميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان، أو عبر تصريح المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة كيلي كرافت.

بيد أن حدة "الكباش" الجاري بين رأسي السلطة التنفيذية، حول الصلاحيات، جعل باسيل يلجأ لبري بعد أن أبدى الأخير وحليفه حزب الله، تمسكهما بترشيح سعد الحريري لتشكيل حكومة جديدة، ترث التي إستقالها الحريري نفسه، الشهر الفائت.

وإذا كان المأخذ الأبرز على التيار السياسي الذي يقوده باسيل، حسب إتهامات أخصامه له، أنه يريد إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل إتفاق الطائف، لإسترجاع صلاحيات رئاسة الجمهورية الى ما كانت عليه، خلال تفرد ما يسمى "المارونية السياسية" بالحكم، فإن سعد الحريري (وحزبه "تيار المستقبل")، ينفذ مشروعاً تدميرياً للبلاد، يهدد فيه مصير لبنان برمته.

فالحريري وتياره وحلفائه، ينفذون بنجاح منقطع النظير، الخطة التي حملتها "الحريرية السياسية " عند قدومها إلى لبنان، لوضع اليد على البلد وتخريبه وتسليمه لقمة سائغة إلى المشروع الصهيو- أميركي، في ملاقاة لصفقة القرن الأميركية التي تريد نزع كل عناصر القوة من لبنان، لالحاقه بالمطبعين مع العدو الصهيوني وتلبية كل المطامع "الإسرائيلية" في أرض لبنان ومياهه وثروته النفطية والغازية الموعودة، إضافة إلى مطلب مستجد يهدف إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين ودمج النازحين السوريين في المجتمع اللبناني المضيف.

وإذا نظرنا إلى علاقات الحريري الخارجية وظروفه الشخصية المتراجعة، نجد أنه يلعب بآخر أوراقه، عبر خطة إنقلابية تؤكد رغبته في إحتكار السلطة والغاء كل القوى السياسية الأخرى، من خلال مطالبته بأن يترأس حكومة يكون فيها السياسي الوحيد، أما الوزراء فمجرد مستشارين له، يكرر فيهم تجربة والده التي مكنته من الإستيلاء على وسط مدينة بيروت وتأسيس شركات مثل "سوكلين"، التي نهبت أموال البلديات وغيرها وحققت أرباحاً فلكية من دون وجه حق. ويستكمل الحريري الإبن هذه الخطة، بمشروع أعلن عنه مؤخراً لبيع الدولة بكل مؤسساتها ومرافقها، مع الإستمرار في سياسة الإستدانة المترافقة مع "الهدر"؛ وهي العبارة المخففة للفساد المالي وسرقة المال العام، من قبل كل الطاقم السياسي الذي شارك الحريري في محاصصة الشركات والتعهدات والتوظيفات، التي جعلت من لبنان بلداً منهوباً بكل مافي الكلمة من معنى.

وإذا تمعنا في الأحداث التي يشهدها الجوار، نجد أن لبنان مثل كل بلدان المنطقة، ضحية السعي الأميركي والغربي عموماً لجعل الكيان الصهيوني الذي إغتصب فلسطين، كياناً مقبولا وحاكماً لمحيطه، بما يحفظ المصالح الأميركية والغربية في بلادنا، المتمثلة بالثروات الطبيعية والموقع الجغرافي والنفوذ السياسي.

في هذا السياق، جاءت التدخلات الخارجية والإعتداءات العسكرية المتكررة خلال العقود السابقة. لكنها فشلت في تحقيق الأهداف الأميركية والغربية، رغم إنضواء حكام النفط العرب في هذه الضغوطات، مما دفع الأميركي وأتباعه إلى اتباع سياسة تحطيم البلد على رؤوس أهله، من خلال الحرب المالية التي يشنها على لبنان، بتواطؤ واضح من قبل الحريري وكل طاقمه السياسي والمالي، المسؤول عن القفز فوق الدستور وتهشيم "إتفاق الطائف" وضرب هيبة القضاء. وما جرى من قبل النائب المستقبلي هادي حبيش بحق القاضية غادة عون دليل دامغ.

وللمناسبة، اعتبر النائب السابق وليد جنبلاط في تغريدة له الشهر الفائت، على وسائل التواصل، قام بمحوها فيما بعد، أن إتفاق الطائف سقط. أما مطالب رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، بحصر السلطة التنفيذية في يده، فتعني أنه رمى الإتفاق المذكور خلفه. كما يأتي إتهام النائب فيصل كرامي لداعمي الحريري بأنهم أطاحوا ب"الطائف"، شهادة صادقة على هذا المخطط، الذي يضع لبنان في المجهول، بل يماثل إعدام وطن.

وإذا ما تمعنا بالمطالب المعروضة على لبنان، إن كان عبر شروط مؤتمر "سيدر" أو تلك التي يوصلها الموفدون الأميركيون والأوروبيون، نجد أن الدستور والقوانين اللبنانية برمتها، لم تعد ذات قيمة ولا تؤخذ بالإعتبار. وأول من همش الشخصية اللبنانية وتجاهل حقوقها كشعب وسلطات ومؤسسات، هو ذاك الذي رهن لبنان للديون ولشروط الدائنين التي تزداد قساوة ووقاحة كلما زاد حجم الدين.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل