الحكم العطائية ... "لا تتعد نية همتك إلى غيره، فالكريم لا تتخطاه الآمال"

السبت 12 تشرين الأول , 2019 01:21 توقيت بيروت تصوّف

الثبات - إسلاميات

 

"لا تتعد نية همتك إلى غيره، فالكريم لا تتخطاه الآمال"

 

لا تتعد نية همتك إلى غيره، فالكريم لا تتخطاه الآمال، و لا ترفعن إلى غيره حاجة هو موردها عليك، فكيف يرفع غيره ما كان هو له واضعاً، من كان لا يستطيع أن يرفع حاجة عن نفسه فكيف يكون لها عن غيره رافعاً.

لا تتعد أي لا تتجاوز ونية الهمة قصدها الذي تتوجه به والهمة القوة المنبعثة في طلب المقاصد والآمال قصود القاصدين ومعنى لا تتخطاه أي لا تتجاوز إلى غيره فإذا تعلقت همة المريد بشيء تريد تحصيله فردها إلى الله ولا تتعلق بشيء سواه لأنَّه سبحانه كريم على الدوام ونعمه سحاء على مر الليالي والأيام والكريم لا تتخطاه الآمال وهو يحب أن يُسأل فيجيب السؤال وقد قالوا في تفسير اسمه تعالى الكريم هو الذي إذا سئل أعطى ولا يبالي كم أعطى ولا لمن أعطى وإذا رفعت حاجة إلى غيره لا يرضى وإذا جفى عفا وإذا عاتب ما استقصى فهذا من كمال كرمه وتمام إحسانه وإنعامه.

 

 كمال الله أكمل كل حسن ... فلله الكمال ولا مماري

وحب الله أشرف كل أنس ... فلا تنس التخلق بالوقار

وذكر الله مرهم كل جرح ... وأنفع من زلال للأوار

ولا موجود إلا الله حقاً ... فدع عنك التعلق بالفشار

 

وإذا علمت كرمه وجوده وكماله وإحسانه فلا ترفع إلى غيره ما هو مورده عليك كما قال لا ترفعنَّ إلى غيره حاجة هو موردها عليك قلت قد علمت أنَّ ما سوى الحق خيال وهمي لا حقيقة لوجوده فإذا أنزل الله بك حاجة كفاقة أو شدة أو غير ذلك من العوارض فأنزلها بالله واجعلها تحت مشيئة الله وغب عنها في ذكر الله ولا تلتفت إلى ما سواه تعلقاً ولا تملقاً ففي الحديث من لم يسئل الله يغضب عليه وقال أبو علي الدقاق من علامة المعرفة أن لا تسأل حوائجك كلها إلا من الله قلت أو جلت مثل موسى عليه السلام أشتاق إلى رؤيته فقال رب أرني أنظر إليك وأحتاج يوماً إلى رغيف فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير، ثم تعجب ممن رفع أحكام الحق إلى غيره معي عجزه وضعفه فقال فكيف يرفع إلى غيره ما كان هو له واضعاً فمن قلة حياء الإنسان أن يرفع إلى غيره ما أنزله عليه الحق تعالى من أحكام قهره مع علمه تعالى بإحسانه وبره وعدم انفكاك لطفه عن قدره قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله: عنه أيست من نفع نفسي لنفسي فكيف لا أيأس من نفع غيري لها ورجوت الله لغيري فكيف لا أرجوه لنفسي، و قال بعضهم من اعتمد على غير الله فهو في غرور لأنَّ الغرور ما لا يدوم ولا يدوم شيء سواه وهو الدائم القديم الذي لم يزل ولا يزال وعطاؤه وفضله دائمان فلا تعتمد إلا على من يدوم لك منه العطاء والفضل، ثم إنَّ الاعتماد على الله ورفع الحوائج إليه والرجوع في كل النوازل إليه سببه حسن الظن به.

إنَّ الشيخ ابن عطاء الله رحمه الله في هذه الحكمة، يؤسس هذا اليقين في القلوب من خلال مفاصل خمسة:

أولها: دوام استحضار المعبود جلَّ وعلا وعدم الغفلة عنه.

ثانيها: غِناه تعالى ورحمته، وكونه بمخلوقاته حفياً.

ثالثها: عجز الخلائق المُنبني على محدوديتهم.

رابعها: أنَّ الانشغال بالفقير عن الغني من أعظم الغفلات.

خامسها: أنَّ العباد إن قصروا فلا ملامة إلا عليهم، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه ففي الحديث القدسي: "يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أحْفَظُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ".


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل