«أستانة» عند المفترق الأخير للتشكّل الفعلي

الإثنين 05 آب , 2019 02:47 توقيت بيروت مقالات مختارة

الثبات ـ مقالات مختارة

ما توصلت اليه الجولة الثالثة عشرة من مباحثات أستانة في مدينة نور سلطان عاصمة كازاخستان، يشكل تطوّراً مقبولاً في بلورة حلول معتدلة للأزمة السورية، على قاعدة نسف مؤتمر جنيف.

هذا النسف ضروري لأنّ جنيف لم يتمكّن حتى الآن من الانتقال من مجرد آلية لتثبيت النفوذ الأميركي في سورية عبر أدواته المحلية الشديدة الضعف، الى معادلة لتأمين حلول فعلية تتعامل مع سورية كدولة مستقلة.

لقد جرّب الأميركيون منظمات الإرهاب وسائل أولى لتفجير الدولة السورية أو تفتيتها وفشلوا فركبوا «مؤتمر جنيف» آلية مواكبة للانتشار الإرهابي في ميادين سورية لتأمين مشروعهم فيها ولاحقاً في الشرق الأوسط.

إلا أنّ أصحاب «جنيف» لم يهدأوا جامعين نحو ثمانين دولة في أميركا وأوروبا والمنطقة الإسلامية والأفريقية والعربية مع قليل من الاستثناء.

هؤلاء أيّدوا مشاريع جنيف الأميركية التي تعتبر ما أسمته في حينه معارضات وتبيّن لاحقاً أنها تنظيمات إرهابية صرفة ترسل مندوبيها الى المؤتمرات بثياب حديثة وعقائد قرون أوسطية برعاية التغطية الأميركية.

يكفي أنّ كلّ حدود سورية في مرحلة الصعود «الجينيفي» كانت مع الإرهاب بدءاً من شمالي لبنان الى الجولان السوري المحتلّ والأردن وكامل حدود العراق ودولة تركيا التي كانت تشرف على دخول الإرهاب عبر أراضيها الى سورية بحماية جيوشها وأمنها، ولا تزال تمارس قسماً من هذا الدور حتى الآن.

لكن اجتماع قوة الدولة المتحالفة مع إيران وحزب الله وروسيا قضى على الإرهاب في ثلاثة أرباع البلاد متمكناً من دحره ووضع حدّ لظاهرته فلم يبقَ منه إلا ذئاب منتشرة في الشرق والشمال بغضّ طرف أميركي تركي يصل معظم الأحيان الى درجات التواطؤ.

هذا هو السبب الحقيقي الذي فرض تراجعاً كبيراً على مؤتمر جنيف الأميركي فبدلاً من شعار رحيل الأسد مسبقاً على أن يليه بدء المفاوضات، رفع جنيف شعار انتخابات رئاسية وتعديلات دستورية كانوا يريدون منها إسقاط الأسد بالحيلة السياسية، وذلك بالتجميع بين المعارضين المنتمين إلى القاعدة والوهابية والاخوان المسلمين مع معارضة مزعومة لا تزال تزعم أنها معتدلة وتريد نظاماً ديمقراطياً مدنياً بزعامة البغدادي وريثة أسامة بن لادن وابنه حمزة، هؤلاء كان أميركيو جنيف يراهنون عليهم لتغيير النظام عبر الاستفادة الإضافية من أصوات ملايين النازحين السوريين المنتشرين في العراق والأردن ولبنان وتركيا وقوة الإعلام الغربي الخليجي المحرّض على الفتن المذهبية.

إلا أنّ التراجع العسكري في الميادين لحلفاء الأميركيين أدّى بشكل آلي إلى تسلّل روسي من ضراوة الحرب الجوية التي خاضها طيرانهم الى مكامن العمليات السياسية، فالحرب مدافع وسياسة في آخر الأمر.

فكانت «أستانة» و «سوتشي» مشاريع سياسية لمجابهة جنيف ووضع الأزمة السورية على سكة الحلّ السياسي.

وهكذا نجح الروس في تجميع معادلة تضمّ اليهم كلاً من إيران وتركيا الأكثر اهتماماً بالأزمة السورية: الأولى بالتحالف السياسي مع دولتها والثانية لجوارها الحدودي وأطماعها التاريخية وعدائها مع المشروع الكردي الذي يهدّد سيادتها الوطنية.

بذلك تمكّنت روسيا من الإمساك بمرجعية إقليمية دولية تحظى بموافقة الدولة السورية، فتمكنت عبر سوتشي أستانة من تعميق الخلافات التركية الأميركية وتعميق علاقاتها بإيران مع الإنجاز الهائل بالقضاء على الإرهاب الدولي.

فتمكّنت الجولة الأخيرة 13 لأستانة من وضع أسس مبدئية تشكل قواسم مشتركة للضامنين الثلاثة الروسي والتركي والإيراني، إنما على أساس وحدة الدولة السورية وأولها إعلان التزام أستانة بالجولان المحتلّ، أراضي سورية، لا يمكن التنازل عنها وهذا قرار يرفض اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإسرائيلية الجولان، كما استنكرت أستانة مشاريع التقسيم الأميركية في شرق الفرات التي تريد تشكيل كانتونات للكرد والعشائر فيه بعد إرضاء تركيا بمنطقة حدودية شمالي سورية لا تزال المفاوضات بين الفريقين متعسّرة لخلافهما على عمقها داخل سورية، وهذا ما استنكرته الدولة السورية واعتبرته احتلالاً تجب مقاومته.

في المقابل أذعن الأتراك بضغط روسي على ضرورة إخراج المتطرفين من مناطق خفض التصعيد في إدلب شرط عدم مهاجمة اثنتي عشرة نقطة عسكرية تنتشر فيها قوات تركية بموجب مؤتمرات أستانة.

كما اعتبرت أستانة أنّ كلّ ما يجري في شرقي الفرات من مشاريع أميركية سعودية لتشكيل جيوش كردية وعشائرية تشكل تهديداً للأمن القومي لدول الجوار.

يتبيّن اذاً أنّ أستانة السياسية تبنّت مواقف معادية للسياسات الأميركية والإسرائيلية في الجولان وشرقي الفرات بما يضع الأتراك في موقف شائك امام الأميركيين.

فهل يتعمّدون إعلان مواقف معارضة للأميركيين حتى يأخذوا منهم ما يريدونه في المنطقة الآمنة وإلغاء المشروع الكردي أم أنهم جادون في موضوع أستانة؟

هناك محاولات أميركية لجذبهم لذلك تعمّد الروس منح الأتراك أياماً عدة للبدء بسحب الإرهاب من بعض مناطق ادلب.

عند هذه النقطة يبدو التعمّق في قراءة الموقف التركي صعباً، فهل يجذبهم الأميركيون أم يعتبرون أنّ علاقاتهم المستجدة مع الروس واعدة استراتيجياً؟

النتائج مرجأة حتى الشهر المقبل موعد إعلان أستانة عن اللجنة الدستورية وتطبيق معظم القرارات المتخذة على أساس البدء بسحب الإرهاب من مناطق خفض التوتر في ادلب، اما الدولة السورية فكانت واضحة واعتبرت أنّ عدم تنفيذ المقررات يعني إسقاط الدور التركي من أستانة، وكذلك روسيا التي لن تتسامح هذه المرة مع أي مماطلة تركية.

لذلك فإنّ أيلول المقبل هو الموعد المفترض لالتهام أستانة لجنيف أو تاريخ بدء الحرب السورية الروسية الإيرانية على تركيا في إدلب وعفرين وجبال اللاذقية وشرقي الفرات مع الأميركيين …

 

د. وفيق إبراهيم ـ البناء

 

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل