الدول الصناعية الكبرى تخون إتفاقية بازل! ـ د.ناجي قديح 

الأربعاء 24 تموز , 2019 10:38 توقيت بيروت مقالات مختارة

الثبات ـ مقالات مختارة

لم تظهر الدول الصناعية الكبرى يوما انزعاجها من إتفاقية بازل بشأن حركة النفايات الخطرة وغيرها من النفايات عبر الحدود، كما تفعل هذه الأيام. فمنذ الأول من كانون الثاني 2018، تاريخ قرار الصين منع استيراد النفايات الصناعية، ولا سيما البلاستيكية، من كل الدول الصناعية الكبرى في الولايات المتحدة الأميركية وكندا والإتحاد الأوروبي واليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية، تغرق هذه الدول في نفاياتها، وتتحايل على أنظمة التجارة العالمية لتصدير ملايين الأطنان من هذه النفايات إلى بلدان شرق آسيا، في أندونيسيا وماليزيا والفيليبين وتايلاند وفيتنام ومؤخرا كمبوديا، وكذلك إلى البلدان الأفريقية، حيث تفرغ البواخر ملايين الأطنان من النفايات الإلكترونية وخلائط النفايات البلاستيكية غير القابلة لإعادة التدوير.

منذ أسابيع قليلة، رضخت كندا للمطالبة الحثيثة من حكومة ورئيس الفيلبين والمنظمات البيئية، وفي مقدمتها الأصدقاء في “BAN Toxics”، وأعادت عشرات المستوعبات من خلائط نفايات بلاستيكية، بعد عناد ومراوغة ومماطلة دامت 4 سنوات، حاولت خلالها كندا الإلتفاف على إلتزامات إتفاقية بازل، والتهرب من تنفيذها باسترداد نفاياتها، التي ترفضها الفيلبين بكل قواها الرسمية والشعبية. ولكن لم تتورع كندا عن إرسال نفاياتها في الأيام الأخيرة إلى كمبوديا، حيث تتشكل حاليا حركة إعتراض تتسع يوما بعد يوم.

الولايات المتحدة الأميركية، التي اعترضت وحدها، مع عدد قليل جدا من دول جزرية صغيرة لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، دأبت على إغرائها لتأييد الموقف الأميركي، على الإقتراح النرويجي في مؤتمر اتفاقية بازل الأخير، الذي عقد شهر نيسان-أيار (أبريل – مايو) 2018، والذي يتضمن إخضاع النفايات البلاستيكية غير النظيفة وغير المفروزة وغير الصالحة للتدوير إلى آلية الموافقة المسبقة عن علم Prior Informed Consent – PIC procedure، وذلك للحد من التسونامي المتوقع لسيل النفايات الصناعية، ولا سيما البلاستيكية، من الدول الصناعية الكبرى في العالم باتجاه الدول النامية في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية، ومنها لبنان بالطبع.

بعد أن فشلت الولايات المتحدة الأميركية في منع إقرار المقترح النرويجي، الذي صوت عليه مؤتمر  اتفاقية بازل بأكثرية ساحقة، تحاول الآن عرقلة اعتماده من قبل منظمة دول التعاون الإقتصادي والتنمية Organization for Economic Cooperation and Development OECD، حيث عبرت رسميا عن اعتراضها على اعتماد آلية الموافقة المسبقة عن علم، مؤخرة تحول القرار أتوماتيكيا إلى تشريع وطني لبلدان هذه المنظمة، وذلك بحجة أن آلية الموافقة المسبقة، التي تحولت إلى قانون دولي، على كل دول العالم، وخصوصا الدول الأطراف في اتفاقية بازل احترامه، تعيق تجارة الولايات المتحدة بهذه النفايات وتصديرها إلى كل بلدان العالم، وعلى رأسها الدول النامية في أميركا الوسطى واللاتنية، حيث نشهد حاليا حركات احتجاج واسعة في المكسيك من قبل عدد كبير جدا من المنظمات البيئية والحقوقية والمجتمع المدني، لمنع تصدير الولايات المتحدة نفاياتها البلاستيكية إلى المكسيك، وإلى بلدان أخرى في وسط وجنوب أميركا.

تجهد الدول الصناعية الكبرى، في أميركا الشمالية وأوروبا وآسيا، لإيجاد بلدان نامية تستقبل ملايين الأطنان من نفاياتها البلاستيكية المختلطة، والتي يصنف قسم كبير منها بأنها ملوثة بمواد كيميائية خطيرة، أو تحتوي على مواد كيميائية خطيرة، وهي بالتالي مصنفة نفايات غير قابلة لإعادة التدوير، كانت تستوردها الصين، وبعد منع الصين لاستيرادها وصلت إلى موانيء دول نامية في آسيا وإفريقيا، وهي تخضع الآن لآلية الموافقة المسبقة، كإجراء ينظم هذه العملية على المستوى الدولي ويخفف من حالة الفوضى التي كانت سائدة، مع كل ما تحمله من مخاطر على تلويث البيئة وتعريض مليارات البشر لمخاطر صحية كبيرة وأمراض مزمنة ومميتة.

لماذ نعير هذا الموضوع كل هذا الإهتمام نحن هنا في لبنان؟

نحن نستشعر تحضير الأرضية الملائمة لتيسير استيراد نفايات صناعية بلاستيكية ملوثة ومختلطة وغير قابلة للتدوير من أوروبا إلى لبنان. هذا الإستشعار يرتكز على المعطيات التالية:

• عودة الحديث بقوة عن اعتماد محارق النفايات، وإصرار رئيس بلدية بيروت على السير بهذا الخيار رغم كل الإعتراضات الواسعة على ذلك.

• بعد أن كان نائما في أدراج المجلس النيابي لأكثر من 15 عاما، جرى سحب مشروع قانون إدارة النفايات بسرعة وبإلحاح في العام 2018 ووضعه على طاولة التشريح والتعديلات السريعة والإقرار الأكثر سرعة في جلسة “تشريع الضرورة” للمجلس النيابي، مع 3 قوانين أخرى ، هي تشريعات فرضها مؤتمر سيدر.

• جرى إدخال مواد في هذا القانون تتيح استيراد النفايات الخطرة (المادة 26)، وتتيح خلط النفايات (المادة 27)، واشترط موافقة وزارة البيئة على ذلك، في حين أن هذا القانون يلغي قوانين وتشريعات كانت تمنع منعا باتا استيراد هذه النوع من النفايات تحت أي ذريعة، بل تعتبره جريمة يعاقب عليها بأقسى العقوبات وصولا إلى الإعدام.

• في إطار مؤتمر سيدر تم تقديم مليار و400 مليون دولار لإدارة النفايات، منها تمويل إقامة 3 محارق، كلفة كل واحدة منها 375 مليون دولار، وبقدرة حوالي 2500 طن/يوميا لكل محرقة، أي بمجموع 7500 طن يوميا، وهي كمية تفوق بكثير مجموع كل النفايات التي تتولد في كل لبنان. ويضاف إليها محرقة بيروت بقدرة مماثلة. هذا ما يدفع بالتحليل إلى الإستنتاج، أن أصحاب مشروع المحارق يدركون عن سابق تصميم وتخطيط أن نفايات بلاستيكية مختلطة غير قابلة للتدوير يتم تحضير الأرضية المناسبة لتصديرها إلى لبنان، من دول أوروبية، ولذلك نشهد هذا الكرم الإوروبي بدفق القروض الميسرة لتحقيق هذا الهدف. وهذا ما نشهه أيضا على مستوى عالمي، حيث هناك أموال طائلة تقدم لإفريقيا (60 مليار دولار) وللهند (100 مليار دولار) لبناء وتشغيل محارق نفايات جديدة.

• هكذا يكتمل “البازل” وتظهر الصورة جلية، أن هناك تقاطع مصالح استراتيجي بين أصحاب مشروع المحارق في لبنان، واستراتيجية التخلص من النفايات البلاستيكية الأوروبية، وذلك بالطبع على حساب بيئة لبنان وصحة أبنائه لهذا الجيل والأجيال القادمة. إن التلوث البيئي والمخاطر الصحية تترافق بفوائد تصب مئات ملايين الدولارات في جيوب المستفيدين والمتحكمين بتكييف التشريعات والآليات والسياسات لكي تصبح ملائمة بالكامل لمصالحهم الفئوية.

• نفايات أميركا وكندا تهدد المسكيك وجنوب أميركا وشرق آسيا، ونفايات أوروبا تهدد لبنان والبلدان الإفريقية.

• إن قانون النفايات رقم 80 للعام 2018 يضع أمام وزارة البيئة، ووزير البيئة تحديدا مسؤوليات كبيرة جدا، حيث ربط استيراد النفايات الخطرة والمختلطة والبلاستيكية بإصدار الموافقة كشرط مسبق لأي شحنة منها إلى لبنان. وبالتالي، إن قوى المجتمع كلها، سوف تحمِّل وزارة البيئة ووزير البيئة مسؤولية وتبعات دخول أي نفايات خطرة وبلاستيكية ملوَّثة ومختلطة وغير قابلة لإعادة التدوير، من شأنها أن تسبب تلويثا خطيرا للبيئة وتهديدا للصحة العامة ولأجيال آتية.

المصدر: "غرين إريا"


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل