أيام الألم .. وأيام المجد ـ أحمد زين الدين

الإثنين 15 تموز , 2019 01:15 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

اجتهدت لفترة طويلة في ثمانينات القرن الماضي، لأوثق يوميات العدوان الإسرائيلي على لبنان منذ اغتصاب فلسطين عام 1948.

ومن المعروف، كم أن ذلك يستلزم تعباً وبحثاً وتفتيشاً في تلك الأيام عن الوقائع والمصادر وأرشيف الصحف، وأؤكد إني وثقت ذلك يوماً بيوم حتى العام 1971، ورتبتها وفق جدول طويل، باليوم، والحدث، والنتائج، وكنت أنوي استكمال هذا الجدول، لكن قام مكتب الدراسات في جريدة السفير بإصدار كتاب موسوعي عن ذلك، فوفر عليَّ استكمال جهدي، وإن كنت ماأزال، أحتفظ بجدول العدوان كما وضعته ورتبته (من 1948 حتى 1971).

أسوق ذلك، ونحن نعيش في رحاب الذكرى 13 لحرب تموز – آب 2006 التي امتدت على مدى 33 يوماً.

وأستحضر هنا، أيام كنا تلاميذ ولنا أصدقاء وأصحاب وزملاء من القرى الحدودية، ولكن لضرورات تسهيل الحياة والعمل، كان أهلهم قد نقلوا قيود نفوسهم إلى بيروت، ويصدف أننا كنا نقرر أحياناً قضاء عطلة نهاية الأسبوع عند واحد من الزملاء في بنت جبيل، أو حولا أو العديسة أو عتيرون وغيرها... فكنا نضطر أن نحصل على تراخيص، بشكل مسبق لنتمكن من العبور إلى تلك القرى، وكم يكون حظنا عاطل إذا وصلنا إلى حاجز العبور في تلك الأيام البعيدة، بعد السادسة مساء بدقائق لاتتجاوز الخمس، لأن ذلك سيعني بقاءنا طوال الليل حتى السادسة صباحاً في اليوم التالي ليتسنى لنا استكمال مشوارنا.

في تلك المشاوير الجميلة في أيام زمان، كنا نحاول أن نسرق النظر إلى مواقع العدو في فلسطين المحتلة، وكان نوع من المغامرة غير المحسوبة أن تتقدم إلى أقرب مسافة من الحدود الدولية الجنوبية، ومايزال في البال الكثير من الخبريات والمعلومات التي كان يرويها لنا أهل أو أجداد الزملاء الذين نزورهم، ومن هذه الخبريات، أن كثيراً أو كثيرات، كانوا مجبرين على ملء جرارهم، أن تنكاتهم من مياه النبع أو العين البعيد...فكان جندي عدو يقطع الشريط، ليحطم الجرة أو التنكة المملوءة بالماء، دون أن يتصدى أحداً لهم، وفي كثير من الأحيان كانت تنشب معركة بأظافر السيدات أو بسواعد الرجال مع العدو، دفاعاً عن حقهم في شربة الماء.

كثيرة الخبريات التي كنت أسمعها، ومازالت في رأسي وذهني وعقلي، ومنها حرق العدو لبيادر أو حقول القمح أو العدس، في اعتداءات لاتتوقف دون أن يتصدى لهم أحد.

وكم سمعنا عن مجازر وخبريات ارتكبها العدو لعل يبقى أشهرها مجزرة حولا عام 1949.

ولأننا نعيش في رحاب أشهر الانتصارات أيار 2000، وتموز – آب 2006، يحضرني شريط الذكريات بمراراته، وشريط الذكريات الحلوة والرائعة، وإذا كان قد تسنى لي أن أكون أول من ساهم في تغطية النصر العظيم في أيار 2000، فإنه قد تسنى لي أن أسهم بنشاط في تغطية بطولات المقاومين الميامين في تموز 2006.

لاأريد أن أعيد سرد العز الذي اعترانا في تلك الأيام، ولكن أكتفي بالقول: إننا صرنا نقف على الشريط ونتطلع بأمل وشوق نحو فلسطين، لم يعد الجندي الصهيوني ذلك الذي لايقهر، بل صار ذاك الجبان الذي لايتجرأ على رفع رأسه من خلف دشمته في مواجهة طفل جنوبي قد يرشقه في حجر أو يرفع في وجهه الإصبع الوسطى من يده.

فعلاً لقد ولى زمن الهزائم وبدأ زمن الانتصارات.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل