معارك "التيَّارين" .. تسير عكس التيَّار ـ أمين أبوراشد

الثلاثاء 11 حزيران , 2019 01:57 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

"ما في بالميدان غير حديدان"، مَثَل لبناني شعبي قديم. و"حديدان" السراي اليوم هو الرئيس سعد الحريري، كونه السُنِّي الوحيد الأوحد، المقبول ضمن التسوية الرئاسية رغم تصدُّعاتها، والمعارك الحاصلة بين "التيَّارين" أخطر ما فيها، أنها تأتي داخلياً في توقيتها، لتستقيم أمور عهد وَعَد بالإصلاح والتغيير، وفي غير توقيتها إقليمياً لأن هناك استحقاقات داهمة جداً، والوطن المُفلِس ينتظر رحمة "سيدر"، لكن "صفقة القرن" تُطِلُّ بقرونها لتجعل من لبنان إحدى ساحات الصراعات، خاصة أن بند توطين الفلسطيين يضرب مادة أساسية في مُقدِّمة الدستور اللبناني حول رفض التوطين، والضغط الخليجي وخاصة السعودي على لبنان لتمرير صفقة صعبة المرور، يجعلنا كمن "يبتلع الموس".  

سياسياً على الساحة الداخلية، نستطيع المُقارنة، ولا نستطيع المُقاربة، بين المدرسة التي أسَّسها الإمام المُغيَّب موسى الصدر، وارتقت بالمذهب الى السياسة الوطنية المُتمثِّلة اليوم بالثنائي الشيعي، الذي يُعتبر البيئة الحاضنة للمقاومة بمواجهة الصهيوني والإرهابي، وبين المدرسة التي أسَّس لها الرئيس المرحوم رفيق الحريري وبقيت في حُضن العائلة ومَن وَالَاها، مع تعديلات في المناهج أنتجتها المُتغيِّرات الإقليمية، وبِدء ضُمور الدور السُنِّي في لبنان ومذهبته لمواجهة المارد الشيعي وحلفاء المقاومة، سواء كانوا هؤلاء الحلفاء، سُنَّة أو مسيحيين أو دروزاً، و"الأمر العسكري" سعودي بامتياز، لأن لبنان بات الورقة الإقليمية الأخيرة للوهَّابية في المواجهة مع إيران، بعد الهزائم المُتلاحقة من سوريا الى اليمن، ومشاريع "صفقة القرن" التي سوف تُمزِّق خرائطاً وترسِمُ أخرى لو تمّ تمريرها.

كُتِب الكثير عن "سَعوَدة" لبنان، منذ قدوم الرئيس المرحوم رفيق الحريري وعلى أكتافه إتفاق الطائف، وإذا كان هذا الإتفاق قد أنتجته هزيمة المسيحيين عسكرياً وسياسياً، فإن طمأنة الرئيس عون للمفتي دريان منذ يومين إلتزامه بإتفاق الطائف وصلاحيات رئيس الحكومة هي من قبيل العمل الوطني، وزيارة الوزير سليم جريصاتي أو سواه من التيار البرتقالي الى دار الفتوى، هي من قبيل التهدئة الحزبية السياسية بعد "الإشتباكات" على العديد من الملفات، لكن يبدو أن "الشغل" إقليمي، وأكبر من قدرات اللبنانيين سواء تعكَّرت النوايا أو صَفَت النفوس.

للشيعة مرجعياتهم السياسية القيادية، وللدروز شيخان للعقل مع أفول آحادية جنبلاط، وللمسيحيين خيباتهم عبر السنوات، لأن ما من بطريرك استطاع جمعهم سوى للصورة التذكارية، بينما السعودية استطاعت جمع السُنَّة رغم خلافاتهم، وجمعت حولهم حفنة من طوائف أخرى، لدرجة أن النائب السابق فارس سعيد تنطَّح وقال: لن نسمح لحزب الله مُقاتلة السُنَّة حتى آخر ماروني"، رغم أنه يُدرك حجمه الشعبي بين الموارنة وهو بالكاد يُشارك في دقّ جرس القُداس، وجاء الصدى من أشرف ريفي الذي غرَّد له قائلاً: "معاً لِنحرِّر الوطن من السِجن الكبير".

وإذا كانت السعودية تسيطر على "جماعتها" في لبنان، بنفس طريقة مصالحة ريفي مع الحريري على أرضٍ مُحايدة في منزل السنيورة، وما تلاها من تحالُف لإيصال ديما جمالي رغم خيباتها والطعون التي تُلاحقها، فإن وحدة أهل السُنَّة هي المطلوبة أكثر من أي وقت، وأي سُنِّي يتمرَّد على طريقة "النواب السِّتَّة" في اللقاء التشاوري، فإنه مرميٌّ  بالحُرم الى درجة التكفير ووضع الرئيس سعد الحريري غير مُرِيح في "مملكة المكرمات".

أربعة أيامٍ على انتهاء عطلة عيد الفطر، وبعض المواقع الإخبارية تتساءل عن سبب تأخر الرئيس الحريري بالعودة الى لبنان رغم الملفات الضاغطة التي تنتظره، بل ذهبوا بعيداً واعتبروه "محتجزاً" بطريقة سلمية، لأن الإملاءات السعودية كثيرة والأوامر كبيرة: ممنوع على التيار البرتقالي أن يأخذ مجده في المَطَالِب، وربما ممنوعٌ على ميشال عون - حليف حزب الله - أن يحكُم، وإذا كانت المملكة قد ارتضت بالتسوية الرئاسية لتمرير المرحلة، فلديهاعلى الحريري شروط، تحت طائلة خنق لبنان مالياً واقتصادياً والقضاء على أحلام "سيدر" والإنبطاح لصفقة القرن، وتستقوي على الحريري بصفته "حديدان ميدانها" في عرقلة عجلة الحُكم، لكنه بحاجة لمقاومة بعض من ضغوطها، ليبقى الشخصية السنِّية المقبولة ضمن التسوية الرئاسية لدى الأطراف الأخرى وخاصة حزب الله، ووحده قادر على عقلنة الشارع، مع عقلنة مطلوبة من التيار البرتقالي الحريص على نجاح العهد، كي لا تتصدَّع التسوية ونعود الى الفراغ الحكومي، والى لغة الشارع وانزلاق الأمور الى الشارع...

  


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل